تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٢٠
* (وإنا إن شاء الله لمهتدون) *، والمعتزلة يقولون: قد شاء الله أن يهتدوا، وهم شاؤوا أن لا يهتدوا، فغلبت مشيئتهم مشيئة الله تعالى، حيث كان الأمر على: ما شاؤوا إلا كما شاء الله تعالى، فتكون الآية حجة لنا على المعتزلة. انتهى كلامه.
* (قال إنه يقول إنها بقرة) * الكلام على هذا كالكلام على نظيره. * (لا ذلول تثير الارض ولا تسقى الحرث) *، لا ذلول؛ صفة للبقرة، على أنه من الوصف بالمفرد، ومن قال هو من الوصف بالجملة، وأن التقدير: لا هي ذلول، فبعيد عن الصواب. وتثير الأرض: صفة لذلول، وهي صلة داخلة في حيز النفي، والمقصود نفي إثارتها الأرض، أي لا تثير فتذل، فهو من باب:
على لاحب لا يهتدي بمناره اللفظ نفي الذل، والمقصود نفي الإثارة، فينتفي كونها ذلولا. ولا تسقي الحرث: نفي معادل لقوله: لا ذلول. والجملة صفة، والصفتان منفيتان من حيث المعنى، كما أن لا تسقي منفي من حيث المعنى أيضا. ومعنى الكلام: أنها لم تذلل بالعمل، لا في حرث، ولا في سقي، ولهذا نفي عنها إثارة الأرض وسقيها. وقال الحسن: كانت تلك البقرة وحشية، ولهذا وصفت بأنها لا تثير الأرض بالحرث، ولا يسنى عليها فتسقى. وقد ذهب قوم إلى أن قوله: تثير الأرض، فعل مثبت لفظا ومعنى، وأنه أثبت للبقرة أنها تثير الأرض وتحرثها، ونفى عنها سقي الحرث. ورد هذا القول من حيث المعنى، لأن ما كان يحرث لا ينتفي كونه ذلولا.
وقال بعض المفسرين: معنى تثير الأرض بغير الحرث بطرا ومرحا، ومن عادة البقر، إذا بطرت، تضرب بقرنها وأظلافها، فتثير تراب الأرض، وينعقد عليه الغبار، فيكون هذا المعنى من تمام قوله: لا ذلول، لأن وصفها بالمرح والبطر دليل على أنها لا ذلول. قال الزمخشري: لا ذلول، صفة لبقرة بمعنى: بقرة غير ذلول، يعني: لم تذلل للحرث وإثارة الأرض، ولا هي من النواضح التي يسنى عليها بسقي الحروث. ولا: الأولى للنفي، والثانية مزيدة لتوكيد الأولى، لأن المعنى: لا ذلول تثير وتسقي، على أن الفعلين صفتان لذلول، كأنه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية. انتهى كلامه. ووافقه على جعل لا الثانية مزيدة صاحب المنتخب، وما ذهبا إليه ليس بشيء، لأن قوله: لا ذلول، صفة منفية بلا، وإذا كان الوصف قد نفي بلا، لزم تكرار لا النافية، لما دخلت عليه، تقول مررت برجل لا كريم ولا شجاع، وقال تعالى: * (ذى ثلاث شعب * لا ظليل ولا يغنى من اللهب) * * (وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم) * * (لا فارض ولا بكر) *، ولا يجوز أن تأتي بغير تكرار، لأن المستفاد منها النفي، إلا إن ورد في ضرورة الشعر، وإذا آل تقديرهما إلى لا ذلول مثيرة وساقية، كان غير جائز لما ذكرناه من وجوب تكرار لا النافية، وعلى ما قدراه كان نظير: جاءني رجل لا كريم، وذلك لا يجوز إلا إن ورد في شعر، كما نبهنا عليه. قال ابن عطية: ولا يجوز أن تكون هذه الجملة في وضع الحال لأنها من نكرة. انتهى كلامه.
والجملة التي أشار إليها هي قوله: تثير الأرض، والنكرة هيقوله: لا ذلول، أو قوله: بقرة، فإن عنى بالنكرة بقرة، فقد وصفت، والحال من النكرة الموصوفة جائزة جوازا حسنا، وإن عنى بالنكرة لا ذلول، فهو قول الجمهور ممن لم يحصل مذهب سيبويه، ولا أمعن النظر في كتابه، بل قد أجاز سيبويه في كتابه، في مواضع مجيء الحال من النكرة، وإن لم توصف، وإن كان الاتباع هو الوجه والأحسن، قال سيبويه في باب ما لا يكون الاسم فيه إلا نكرة، وقد يجوز نصبه على نصب: هذا رجل منطلقا، يريد على الحال من النكرة، ثم قال: وهو قول عيسى، ثم قال: وزعم الخليل أن هذا جائز، ونصبه كنصبه في المعرفة جعله حالا، ولم يجعله صفة، ومثل ذلك: مررت برجل قائما، إذا جعلت المرور به في حال قيام، وقد يجوز على هذا: فيها رجل قائما، ومثل ذلك: عليه مائة بيضاء، والرفع الوجه، وعليه مائة دينا، الرفع الوجه، وزعم يونس أن ناسا من العرب
(٤٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 ... » »»