فالضمير في أشد عائد على ذلك الموصوف بأشد المحذوف. ويعضد هذا الاحتمال الثاني قراءة الأعمش، بنصب الدال عطفا على، كالحجارة، قاله الزمخشري. وينبغي أن لا يصار إلى هذا إلا في هذه القراءة خاصة. وأما على قراءة الرفع، فلها التوجيه السابق الذي ذكرناه، ولا إضمار فيه، فكان أرجح.
وقد رد أبو عبد الله بن أبي الفضل في منتخبه على الزمخشري قوله: إنه معطوف على الكاف، فقال: هو على مذهب الأخفش، لا على مذهب سيبويه، لأنه لا يجيز أن يكون إسما إلا في الشعر، ولا يجيز ذلك في الكلام، فكيف في القرآن؟ فأولى أن يكون: أشد، خبر مبتدأ مضمر، أي وهي أشد. انتهى كلامه. وما ذهب إليه الزمخشري صحيح، ولا يريد بقوله: معطوف على الكاف، أن الكاف اسم، إنما يريد معطوفا على الجار والمجرور، لأنه في موضع مرفوع، فاكتفى بذكر الكاف عن الجار والمجرور. وقوله: فالأولى أن يكون أشد خبر مبتدأ مضمر، أي هي أشد، قد بينا أن الأولى غير هذا، لأنه تقدير لا حاجة إليه. قال الزمخشري: فإن قلت: لم قال أشد قسوة؟ وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل وفعل التعجب، قلت: لكونه أبين وأدل على فرط القسوة. ووجه آخر، وهو أن لا يقصد معنى الأقسى، ولكن قصد وصف القسوة بالشدة، كأنه قيل: اشتدت قسوة الحجارة، وقلوبهم أشد قسوة. انتهى كلامه. ومعنى قوله: وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل، وفعل التعجب أن قسا يجوز أن يبني منه أفعل التفضيل، وفعل التعجب بجواز اجتماع الشرائط المجوزة لبناء ذلك، وهي كونه من فعل ثلاثي مجرد متصرف تام قابل للزيادة، والنقص مثبت. وفي كونه من أفعل، أو من كون، أو من مبني للمفعول خلاف. وقرأ أبو حياة: أو أشد قساوة، وهو مصدر لقسا أيضا.
* (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار) *: لما شبه تعالى قلوبهم بالحجارة في القسوة، ثم ذكر أنها أشد قسوة على اختلاف الناس في مفهوم، أو بين أن هذا التشبيه إنما هو بالنسبة لما علمه المخاطب من صلابة الأحجار، وأخذ يذكر جهة كون قلوبهم أشد قسوة: والمعنى أن قلوب هؤلاء جاسية صلبة لا تلينها المواعظ، ولا تتأثر للزواجر، وإن من الحجارة ما يقبل التخلخل، وأنها متفاوتة في قبول ذلك، على حسب التقسيم الذي أشار إليه تعالى ونتكلم عليه. فقد فضلت الأحجار على قلوبهم في أن منها ما يقبل التخلخل، وأن قلوب هؤلاء في شدة القساوة.
واختلف المفسرون في هذه الآية، فقال قوم: إن قوله: * (وإن من الحجارة) * إلى آخره، هو على سبيل المثل، بمعنى أنه لو كان الحجر ممن يعقل لسقط من خشية الله تعالى، وتشقق من هيبته، وأنتم قد جعل الله فيكم العقل الذي به إدراك الأمور، والنظر في عواقب الأشياء، ومع ذلك فقلوبكم أشد قسوة، وأبعد عن الخير. وقال قوم: ليس ذلك على جهة المثل: بل أخبر عن الحجارة بعينها، وقسمها لهذه الأقسام، وتبين بهذا التقسيم كون قلوبهم أشد قسوة من الحجارة. وقرأ الجمهور: وإن مشددة، وقرأ قتادة: وإن مخففة، وكذا في الموضعين بعد ذلك، وهي المخففة من الثقيلة، ويحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون معملة، ويكون من الحجارة في موضع خبرها، وما في موضع نصب بها، وهو اسمها، واللام لام الابتداء، أدخلت على الاسم المتأخر، والاسم إذا تأخر جاز دخول اللام عليه، نحو قوله: * (وإن لك لاجرا) *، وإعمالها مخففة لا يجيزه الكوفيون، وهم محجوجون بالسماع الثابت من العرب، وهو قولهم: إن عمرو لمنطلق، بسكون النون، إلا أنها إذا خففت لا تعمل في ضمير لا، تقول: إنك منطلق، إلا أن ورد في الشعر.