إسعافهم بما سألوه، إذ وقعوا في التيه، واحتاجوا إلى ما يزيل ضررهم وحاجتهم من لفح الشمس، وتغذية أجسادهم بما يصلح لها، فظلل عليهم الغمام، وهذا من أعظم الأشياء وأكبر المعجزات حيث يسخر العالم العلوي للعالم السفلي على حسب اقتراحه، فكان على ما قيل: تظلهم بالنهار وتذهب بالليل حتى ينور عليهم القمر. وأنزل عليهم المن والسلوى، وهذا من أشرف المأكول، إذ جمع بين الغذاء والدواء، بما في ذلك من الحلاوة التي في المن والدسم الذي في السلوى، وهما مقمعا الحرارة ومثيرا القوة للبدن. ثم الأمر لهم بتناول ذلك غير مقيد بزمان ولا مكان، بل ذلك أمر مطلق. ثم التنصيص أن ذلك من الطيبات وبحق ما يكون ذلك من الطيبات. ثم ذكر أنه رزق منه لهم لم يتعبوا في تحصيله ولا استخراجه ولا تنميته، بل جاء رزقا مهنأ لا تعب فيه. ثم أرداف هذه الجمل بالجملة الأخيرة، إذ هي مؤكدة لافتتاح هذه الجمل السابقة، لأنه افتتحها بالإخبار بأنهم ظلموا أنفسهم، وختمها بذلك وهو قوله: * (ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون) *. فجاءت هذه الجمل في غاية الفصاحة لفظا والبلاغة معنى، إذ جمعت الألفاظ المختارة والمعاني الكثيرة متعلقا أوائل أواخرها بأواخر أوائلها، مع لطف الإخبار عن نفسه. فحيث ذكر النعم صرح بأن ذلك من عنده، فقال: ثم بعثناكم، وقال: وظللنا وأنزلنا، وحيث ذكر النقم لم ينسبها إليه تعالى فقال: فأخذتكم الصاعقة. وسر ذلك أنه موضع تعداد للنعم، فناسب نسبة ذلك إليه ليذكرهم آلاءه، ولم ينسب النقم إليه، وإن كانت منه حقيقة، لأن في نسبتها إليه تخويفا عظيما ربما عادل ذلك الفرح بالنعم. والمقصود: انبساط نفوسهم بذكر ما أنعم الله به عليهم، وإن كان الكلام قد انطوى على ترهيب وترغيب، فالترغيب أغلب عليه.
2 (* (وإذ قلنا ادخلوا هاذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين * فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السمآء بما كانوا يفسقون * وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الا رض مفسدين * وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثآئها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءوا بغضب من الله ذالك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذالك بما عصوا وكانوا يعتدون) *)) 2 * (وإذ قلنا ادخلوا هاذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين * فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون * وإذ) *.
الدخول: معروف، وفعلة: دخل يدخل، وهو مما جاء على يفعل بضم العين. وكان القياس فيه أن يفتح، لأن وسطه حرف حلق، كما جاء الكسر في ينزع وقياسه أيضا الفتح. القرية: المدينة، من قريت: أي جمعت. سميت بذلك لأنها مجتمع الناس على طريق المساكنة. وقيل: إن قلواقيل لها قرية، وإن كثروا قيل لها مدينة. وقيل: أقل العدد الذي تسمى به قرية ثلاثة فما فوقها، ومنه، قريت الماء في الحوض، والمقراة: الحوض، ومنه القرى: وهو الضيافة، والقرى