المضاف المقدر، والقول بعدها اختلفوا في المعنى بقوله: ثمنا قليلا. فمن قال: إن المضاف هو التعليم، قال: الثمن القليل هو الأجرة على التعليم، وكان ذلك ممنوعا منه في شريعتم، أو الراتب المرصد لهم على التعليم، فنهوا هنه، ومن قال: هو التغيير، قال الثمن القليل هو الرياسة التي كانت في قومهم خافوا فواتها لو صاروا أتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم). ومن جعل الآيات كناية عن الأوامر والنواهي، جعل الثمن القليل هو ما يحصل لهم من شهوات الدنيا التي اشتغلو بها عن إيقاع ما أمرالله به واجتناب ما نهى عنه، ووصف الثمن بالقليل، لأن ما حصل عوضا عن آيات الله كائنا ما كان لا يكون إلا قليلا، وإن بلغ ما بلغ، كما قال تعالى: * (قل متاع الدنيا قليل) *، فليس وصف الثمن بالقلة من الأوصاف التي تخصص النكرات، بل من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل بالآيات، إذ لا يكون إلا قليلا. ويحتمل أن يكون ثم معطوف تقديره: ثمنا قليلا ولا كثيرا، فحذف لدلالة المعنى عليه. وقد استدل بعض أهل العلم بقوله: * (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) * على نع جواز أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله والعلم. وقد روي في ذلك أحاديث لا تصح، وقد صح أنهم قالوا: يا رسول الله، إنا نأخذ على كتاب الله أجرا، فقال: (إن خير ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله). وقد تظافرت أقوال العلماء على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم، وإنما نقل عن الزهري وأبي حنيفة الكراهة، لكون ذلك عبادة بدنية، ولا دليل لذلك الذاهب في الآية، وقد مر تفسيرها.
* (وإياى فاتقون) *: الكلام عليه إعرابا، كالكلام على قوله: * (وإياى فارهبون) *، ويقرب معنى التقوى من معنى الرهبة. قال صاحب المنتخب: والفرق أن الرهبة عبارة عن الخوف، وأما الاتقاء فإنه يحتاج إليه عند الجرم بحصول ما يتقي منه، فكأنه تعالى أمرهم بالرهبة لأجل أن جواز العقاب قائم، ثم أمرهم بالتقوى لأن تعين العقاب قائم، انتهى كلامه. ومعنى جواز العقاب هناك وتعيينه هنا: أن ترك ذكر النعمة والإيفاء بالعهد ظاهره أنه من المعاصي التي تجوز العقاب، إذ يجوز أن يقع العفو عن ذلك، وترك الإيمان بما أنزل الله تعالى، وشراء الثمن اليسير بآيات الله من المعاصي التي تحتم العقاب وتعينه، إذ لا يجوز أن يقع العفو عن ذلك، فقيل في ذلك: * (فارهبون) *، وقيل في هذا: * (فاتقون) *، أي اتخذوا وقاية من عذاب الله إن لم تمتثلوا ما أمرتكم به. والأحسن أن لا يقيد ارهبون واثقون بشيء، بل ذلك أمر بخوف الله واتقائه، ولكن يدخل فيه ما سيق الأمر عقيبه دخولا واضحا، فكان المعنى: ارهبون، إن لم تذكروا نعمتي ولم توفوا بعهدي، واتقون، إن لم تؤمنوا بما أنزلت وإن اشترتيتم بآياتي ثمنا قليلا.
* (ولا تلبسوا الحق بالباطل) *: أي الصدق بالكذب، قاله ابن عباس، أو اليهودية والنصرانية بالإسلام، قاله مجاهد، أو التوراة بما كتبوه بأيديهم فيها من غيرها، أو بما بدلوا فيها من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم)، قاله ابن زيد، أو الأمانة بالخيانة لأنهم ائتمنوا على إبداء ما في التوراة، فخانوا في ذلك بكتمانه وتبديله، أو الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم) إلى غيرهم وجحدهم أنه ما بعث إليهم، قاله أبو العالية، أو إيمان منافقي اليهود بإبطان كفرهم، أو صفة النبي صلى الله عليه وسلم) بصفة الدجال. وظاهر هذا التركيب أن الباء في قوله بالباطل للإلصاق، كقولك: خلطت الماء باللبن، فكأنهم نهوا عن أن يخلطوا الحق بالباطل، فلا يتيمز الحق من الباطل، وجوز الزمخشري أن تكون الباء للاستعانة، كهي في كتبت بالقلم، قال: كان المعنى: ولا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها بباطلكم، وهذا فيه بعد عن هذا التركيب، وصرف عن الظاهر بغير ضرورة تدعو إلى ذلك.
* (وتكتموا