عن الخليل. والترجيح بين القولين يذكر في علم النحو.
* (وإياى فارهبون) *. إياي: منصوب بفعل محذوف مقدرا بعده لانفصال الضمير، وإياي ارهبوا، وحذف لدلالة ما بعده عليه وتقديره قبله، وهم من السجاوندي، إذ قدره وارهبوا إياي، وفي مجيئه ضمير نصب مناسبة لما قبله، لأن قبله أمر، ولأن فيه تأكيدا، إذ الكلام مفروغ في قالب جملتين. ولو كان ضمير رفع لجاز، لكن يفوت هذان المعنيان. وحذفت الياء ضمير النصب من فارهبون لأنها فاصلة، وقرأ ابن أبي إسحاق بالياء على الأصل، قال الزمخشري: وهو أوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد. ومعنى ذلك أن الكلام جملتان في التقدير، وإياك نعبد، جملة واحدة، والاختصاص مستفاد عنده من تقديم المعمول على العامل. وقد تقدم الكلام معه في ذلك، وأنا لا نذهب إلى ما ذهب إليه من ذلك. والفاء في قوله: فارهبون، دخلت في جواب أمر مقدر، والتقدير: تنبهوا فارهبون. وقد ذكر سيبويه في كتابه ما نصه: تقول: كل رجل يأتيك فاضرب، لأن يأتيك صفة ههنا، كأنك قلت: كل رجل صالح فاضرب، انتهى. قال ابن خروف: قوله كل رجل يأتيك فاضرب، بمنزلة زيدا فاضرب، إلا أن هنا معنى الشرط لأجل النكرة الموصوفة بالفعل، فانتصب كل وهو أحسن من: زيدا فاضرب، انتهى. ولا يظهر لي وجه الأحسنية التي أشار إليها ابن خروف، والذي يدل على أن هذا التركيب، أعني: زيدا فاضرب، تركيب عربي صحيح، قوله تعالى: * (بل الله فاعبد) *، وقال الشاعر:
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا قال بعض أصحابنا: الذي ظهر فيها بعد البحث أن الأصل في: زيدا فاضرب، تنبه: فاضرب زيدا، ثم حذف تنبه فصار: فاضرب زيدا. فلما وقعت الفاء صدرا قدموا الاسم إصلاحا للفظ، وإنما دخلت الفاء هنا لتربط هاتين الجملتين، انتهى ما لخص من كلامه. وإذا تقرر هذا فتحتمل الآية وجهين: أحدهما: أن يكون التقدير وإياي ارهبوا، تنبهوا فارهبون، فتكون الفاء دخلت في جواب الأمر، وليست مؤخرة من تقديم. والوجه الثاني: أن يكون التقدير وتنبهوا فارهبون، ثم قدم المفعول فانفصل، وأخرت الفاء حين قدم المفعول وفعل الأمر الذي هو تنبهوا محذوف، فالتقى بعد حذفه حرفان: الواو العاطفة والفاء، التي هي جواب أمر، فتصدرت الفاء، فقدم المفعول وأخرت الفاء إصلاحا للفظ، ثم أعيد المفعول على سبيل التأكيد ولتكميل الفاصلة، وعلى هذا التقدير الأخير لا يكون إياي معمولا لفعل محذوف، بل معمولا لهذا الفعل الملفوظ به، ولا يبعد تأكيد الضمير المنفصل بالضمير المتصل، كما أكد المتصل بالمنفصل في نحو: ضربتك إياك، والمعنى: ارهبون أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره، وهذا قول ابن عباس. وقيل معنى فارهبون: أن لا تنقضوا عهدي، وفي الأمر بالرهبة وعيد بالغ، وليس قول من زعم أن هذا الأمر معناه التهديد والتخويف والتهويل، مثل قوله تعالى: * (اعملوا ما شئتم) *، تشديد لأن هذا في الحقيقة مطلوب، واعملوا ما شئتم غير مطلوب فافترقا. وقيل: الخوف خوفان، خوف العقاب، وهو نصيب أهل الظاهر، ويزول، وخوف جلال، وهو نصيب أهل القلب، ولا يزول. وقال السلمي: الرهبة: خشية القلب من رديء خواطره. وقال سهل: * (وإياى فارهبون) *، موضع اليقين بمعرفته، * (وإياى فاتقون) *، موضع العلم السابق وموضع المكر والاستدراج. وقال القشيري: أفردوني بالخشية لانفرادي بالقدرة على الإيجاد.
* (وءامنوا بما أنزلت) *: ظاهره أنه