تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٣٠
وصدق بالنور الذي يأتي به غفرت له وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين، قاله الكلبي. الخامس عشر: شرط العبودية وعهدهم شرط الربوبية. السادس عشر: أوفوا في دار محنتي على بساط خدمتي بحفظ حرمتي، أوف بعهدكم في دار نعمتي على بساط كرامتي بقربى ورؤيتي، قاله الثوري. السابع عشر: لا تفروا من الزحف أدخلكم الجنة، قاله إسماعيل بن زياد. الثامن عشر: * (المؤمنون ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسراءيل وبعثنا) * الآية، قاله ابن جريج، وعهدهم إدخالهم الجنة. التاسع عشر: أوامره ونواهيه ووصاياه، فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه وسلم) الذي في التوراة، قاله الجمهور. العشرون: أوفوا بعهدي في التوكل أوف بعهدكم في كفاية المهمات، قاله أبو عثمان. الحادي والعشرون: أوفوا بعهدي في حفظ حدودي ظاهرا وباطنا أوف بعهدكم بحفظ أسراركم عن مشاهدة غيري. الثاني والعشرون: عهده حفظ المعرفة وعهدنا إيصال المعرفة، قاله القشيري. الثالث والعشرون: أوفوا بعهدي الذي قبلتم يوم أخذ الميثاق أوف بعهدكم الذي ضمنت لكم يوم التلاق. الرابع والعشرون: أوفوا بعهدي اكتفوا مني بي أوف بعهدكم أرض عنكم بكم. فهذه أقوال السلف في تفسير هذين العهدين.
والذي يظهر، والله أعلم، أن المعنى طلب الإيفاء بما التزموه لله تعالى، وترتيب إنجاز ما وعدهم به عهدا على سبيل المقابلة، أو إبرازا لما تفضل به تعالى في صورة المشروط الملتزم به فتتوفر الدواعي على الإيفاء بعهد الله، كما قال تعالى: * (ومن أوفى بعهده من الله * إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا) *، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (فإن له عهدا عند الله أن يدخله الجنة). وقرأ الزهري: أوف بعهدكم مشددا. ويحتمل أن يراد به التكثير، وأن يكون موافقا للمجرد. فإن أريد به التكثير فيكون في ذلك مبالغة على لفظ أوف، وكأنه قيل: أبالغ في إيفائكم، فضمن تعالى إعطاء الكثير على القليل، كما قال تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) *. وانجزام المضارع بعد الأمر نحو: اضرب زيدا يغضب، يدل على معنى شرط سابق، وإلا فنفس الأمر وهو طلب إيجاد الفعل لا يقتضي شيئا آخر، ولذلك يجوز الاقتصار عليه فتقول: أضرب زيدا، فلا يترتب على الطلب بما هو طلب شيء أصلا، لكن إذا لوحظ معنى شرط سابق ترتب عليه مقتضاه. وقد اختلف النحويون في ذلك، فذهب بعضهم إلى أن جملة الأمر ضمنت معنى الشرط، فإذا قلت: اضرب زيدا يغضب، ضمن اضرب معنى: أن تضرب، وإلى هذا ذهب الأستاذ أبو الحسن بن خروف. وذهب بعضهم إلى أن جملة الأمر نابت مناب الشرط، ومعنى النيابة أنه كان التقدير: اضرب زيدا، إن تضرب زيدا يغضب، ثم حذفت جملة الشرط وأنيبت جملة الأمر منابها. وعلى القول الأول ليس ثم جملة محذوفة، بل عملت الجملة الأولى الجزم لتضمن الشرط، كما عملت من الشرطية الجزم لتضمنها معنى إن. وعلى القول الثاني عملت الجزم لنيابتها مناب الجملة الشرطية، وفي الحقيقة، العمل إنما هو للشرط المقدر، وهو اختيار الفارسي والسيرافي، وهو الذي نص عليه سيبويه
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»