تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٢٧
لقطعه عن الإضافة، والتقدير: أول الأشياء، أم لشبه القطع عن الإضافة، والتقدير: أول من كذا. والأولى أن تكون العلة القطع عن الإضافة، والخلاف إذا بني، أهو ظرف أو اسم غير ظرف؟ وهو خلاف مبني على أن الذي يبنى للقطع شرطه أن يكون ظرفا، أو لا يشترط ذلك فيه، وكل هذا مستوفى في علم النحو. الثمن: العوض المبذول في مقابلة العين المبيعة، وقال:
* إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها * فما أصبت بترك الحج من ثمن * أي من عوض.
القليل: يقابله الكثير، واتفقا في زنة اسم الفاعل، واختلفا في زنة الفعل، فماضي القليل فعل، وماضي الكثير فعل، وكان القياس أن يكون اسم الفاعل من قل على فاعل نحو: شذ يشذ، فهو شاذ، لكن حمل على مقابلة. ومثل قل فهو قليل، صح فهو صحيح. اللبس: الخلط، تقول العرب: لبست الشيء بالشيء: خلطته، والتبس به: اختلط، وقال العجاج:
لما لبسن الحق بالتجني وجاء ألبس بمعنى لبس.
وقال آخر:
* وكتيبة ألبستها بكتيبة * حتى إذا التبست نفضت لها يدي * الكتم، والكتمان: الإخفاء، وضده: الإظهار، ومنه الكتم: ورق يصبغ به الشيب. الركوع: له معنيان في اللغة: أحدهما: التطامن والانحناء، وهذا قول الخليل وأبي زيد، ومنه قول لبيد:
* أخبر أخبار القرون التي مضت * أدب كأني كلما قمت راكع * والثاني: الذلة والخضوع، وهو قول المفضل والأصمعي، قال الأضبط السعدي:
* لا تهين الضعيف علك أن * تركع يوما والدهر قد رفعه * * (خالدون يابنى إسراءيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم) * هذا افتتاح الكلام مع اليهود والنصارى، ومناسبة الكلام معهم هنا ظاهرة، وذلك أن هذه السورة افتتحت بذكر الكتاب، وأن فيه هدى للمؤمنين، ثم أعقب ذلك بذكر الكفار المختوم عليهم بالشقاوة، ثم بذكر المنافقين، وذكر جمل من أحوالهم، ثم أمر الناس قاطبة بعبادة الله تعالى، ثم ذكر إعجاز القرآن، إلى غير ذلك مما ذكره، ثم نبههم بذكر أصلهم آدم، وما جرى له من أكله من الشجرة بعد النهي عنه، وأن الحامل له على ذلك إبليس. وكانت هاتان الطائفتان: أعني اليهود والنصارى، أهل كتاب، مظهرين اتباع الرسل والاقتداء بما جاء عن الله تعالى. وقد اندرج ذكرهم عموما في قوله: * (قدير ياأيها الناس اعبدوا) *، فجرد ذكرهم هنا خصوصا، إذ قد سبق الكلام مع المشركين والمنافقين، وبقي الكلام مع اليهود والنصارى، فتكلم معهم هنا، وذكروا ما يقتضي لهم الإيمان بهذا الكتاب، كما آمنوا بكتبهم السابقة، إلى آخر الكلام معهم على ما سيأتي جملة مفصلة. وناسب الكلام معهم قصة آدم،
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»