* وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد * قال معناه الزمخشري غير إنشاد الشعر. هدى: تقدم الكلام على الهدى في قوله: * (هدى للمتقين) *، ونكره لأن المقصود هو المطلق، ولم يسبق عهد فيه فيعرف. والهدى المذكور هنا: الكتب المنزلة، أو الرسل، أوالبيان، أو القدرة على الطاعة، أو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أقوال. فمن تبع: الفاء مع ما دخلت عليه جواب لقوله: * (فإما يأتينكم) *. وقال السجاوندي: الجواب محذوف تقديره فاتبعوه، انتهى. فكأنه على رأيه حذف لدلالة قوله بعده: * (فمن تبع هداي) *. وتظافرت نصوص المفسرين والمعربين على أن: من، في قوله: فمن تبع، شرطية، وأن جواب هذا الشرط هو قوله: * (فلا خوف) *، فتكون الآية فيها شرطان. وحكى عن الكسائي أن قوله: * (فلا خوف) * جواب للشرطين جميعا، وقد أتقنا مسألة اجتماع الشرطين في (كتاب التكميل)، ولا يتعين عندي أن تكون من شرطية، بل يجوز أن تكون موصولة، بل يترجح ذلك لقوله في قسيمه: * (والذين كفروا وكذبوا) *، فأتى به موصولا، ويكون قوله: * (فلا خوف) * جملة في موضع الخبر. وأما دخول الفاء في الجملة الواقعة خبرا، فإن الشروط المسوغة لذلك موجودة هنا.
وفي قوله: * (فمن تبع هداي) *، تنزيل الهدى منزلة الإمام المتبع المقتدى به، فتكون حركات التابع وسكناته موافقة لمتبوعه، وهو الهدى، فحينئذ يذهب عنه الخوف والحزن. وفي إضافة الهدى إليه من تعظيم الهدى ما لا يكون فيه لو كان معزفا بالألف واللام، وإن كان سبيل مثل هذا أن يعود بالألف واللام نحو قوله: * (إلى فرعون رسولا * فعصى فرعون الرسول) *، والإضافة تؤدي معنى الألف واللام من التعريف، ويزيد على ذلك بمزية التعظيم والتشريف. وقرأ الأعرج: هداي بسكون الياء، وفيه الجمع بين ساكنين، كقراءة من قرأ: ومحياي، وذلك من إجراء الوصل مجرى الوقف. وقرأ عاصم الجحدري وعبد الله بن أبي إسحاق وعيسى بن أبي عمر: هدي، بقلب الألف ياء وإدغمها في ياء المتكلم، إذ لم يمكن كسر ما قبل الياء، لأنه حرف لا يقبل الحركة، وهي لغة هذيل، يقلبون ألف المقصور ياء ويدغمونها في ياء المتكلم، وقال شاعرهم:
* سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم * فتخرموا ولكل قوم مصرع * * (فلا خوف عليهم) *: قرأ الجمهور بالرفع والتنوين، وقرأ الزهري وعيسى الثقفي ويعقوب بالفتح في جميع القرآن، وقرأ ابن محيصن باختلاف عنه بالرفع من غير تنوين وجه قراءة الجمهور مراعاة الرفع في * (ولا هم يحزنون) *، فرفعوا للتعادل. قال ابن عطية: والرفع على إعمالها إعمال ليس، ولا يتعين ما قاله، بل الأولى أن يكون مرفوعا بالابتداء لوجهين: أحدهما: أن إعمال لا عمل ليس قليل جدا، ويمكن النزاع في صحته، وإن صح فيمكن النزاع في اقتياسه. والثاني: حصول التعادل بينهما، إذ تكون لا قد دخلت في كلتا الجملتين على مبتدأ ولم تعمل فيهما. ووجه قراءة الزهري ومن وافقه أن ذلك نص في العموم، فينفي كل فرد من مدلول الخوف، وأما الرفع فيجوزه وليس نصا، فراعوا ما دل على العموم بالنص دون ما يدل عليه بالظاهر. وأما قراءة ابن محيصن فخرجها ابن عطية على أنه من إعمال لا عمل ليس، وأنه حذف التنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال. وقد ذكرنا ما في إعمال لا عمل ليس، فالأولى أن يكون مبتدأ، كما ذكرناه