تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣١٨
بالمسمى المشتق منه نحو: تقمص، والعمل فيه نحو: تسحر، والاتخاذ نحو: تبنيت الصبي، ومواصلة العمل في مهلة نحو: تفهم، وموافقة استفعل نحو: تكبر، وموافقة المجرد نحو: تعدى الشيء، أي عداه، والإغناء عنه نحو: تكلم، والإغناء عن فعل نحو: توبل، وموافقة فعل نحو: تولى، أي ولى، والختل، نحو: تعقلته، والتوقع نحو: تخوفه، والطلب نحو: تنجز حوائجه، والتكثير نحو: تعطينا. ومعنى تلقي الكلمات: أخذها وقبولها، أو الفهم، أو الفطانة، أو الإلهام أو التعلم والعمل بها، أو الاستغفار والاستقالة من الذنب. وقول من زعم أن أصله: تلقن، فأبدلت النون ألفا ضعيف، وإن كان المعنى صحيحا، لأن ذلك لا يكون إلا مما كان عينه ولامه من جنس واحد نحو: تظني، وتقضي، وتسري، أصله: تظنن، وتقضض، وتسرر. ولا يقال في تقبل: تقبى. وقرأ الجمهور: برفع آدم ونصب الكلمات، وعكس ابن كثير. ومعنى تلقي الكلمات لآدم: وصولها إليه، لأن من تلقاك فقد تلقيته فكأنه قال: فجاءت آدم من ربه كلمات. وظاهر قوله: كلمات، أنها جملة مشتملة على كلم، أو جمل من الكلام قالها آدم، فلذلك قدروا بعد قوله: كلمات، جملة محذوفة وهي فقالها فتاب عليه. واختلفوا في تعيين تلك الكلمات على أقوال، وقد طولوا بذكرها، ولم يخبرنا الله بها إلا مبهمة، ونحن نذكرها كما ذكرها المفسرون، قال ابن عباس والحسن وابن جبير ومجاهد وابن كعب وعطاء الخراساني والضحاك وعبيد بن عمير وابن زيد: هي * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا) *، الآية.
وروي عن ابن ابن مسعود، أن أحب الكلام إلى الله ما قاله أبونا حين اقترف الخطيئة: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، لا إلاه إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). وسئل بعض السلف عما ينبغي أن يقوله المذنب فقال: يقول ما قاله أبواه: (ربنا ظلمنا أنفسنا رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي) وما قاله يونس: (لا إلاه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). وروي عن ابن عباس ووهب أنها: (سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك خير الغافرين). وقال محمد بن كعب هي: (لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم). وحكى السدي عن ابن عباس أنه قال: (رب ألم تخلقني بيدك؟) قال: بلى، قال: ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى، قال: ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى، قال: ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى، قال: رب إن تبت وأصلحت أراجعي إلى الجنة؟ قال: (نعم). وزاد قتادة في هذا: (وسبقت رحمتك إلي قبل غضبك؟ قيل له بلى، قال: رب هل كتبت هذا علي قبل أن تخلقني؟ يل له: نعم، فقال: رب إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قيل له: نعم). وقال قتادة هي: (أستغفرك وأتوب إليك إنك أنت التواب الرحيم). وقال عبيد بن عمير، قال: (يا رب خطيئتي التي أخطأتها أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني؟ أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك، قال: (فكما كتبت علي فاغفر لي). وقيل إنها: (سبحانك اللهم لا إلاه إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور). وقيل: رأى مكتوبا على ساق العرش محمد رسول الله، فتشفع بذلك فهي الكلمات. وقيل: قوله حين عطس: (الحمد لله). وقيل: هي الدعاء والحياء والبكاء. وقيل: الاستغفار والندم والحزن. قال ابن عطية: وسماها كلمات، مجازا لما هي في خلقها صادرة عن كلمات، وهي: كن في كل واحدة منهن)، وهذا قول يقتضي أن آدم لم يقل شيئا إلا الاستغفار المعهود. انتهى كلامه.
* (فتاب عليه) *: أي تفضل عليه بقبول توبته وأفرده بالإخبار عنه بالتوبة عليه، وإن كانت زوجته مشاركة له في الأمر بالسكنى والنهي عن قربان الشجرة وتلقي الكلمات والتوبة، لأنه هو المواجه بالأمر والنهي،
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»