الكفر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلا الفضيلية من الخوارج، قالوا: وقد وقع منهم ذنوب، والذنب عندهم كفر، وأجاز الإمامية إظهار الكفر منهم على سبيل التقية، واجتمعت الأمة على عصمتهم من الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ، فلا يجوز عمدا ولا سهوا، ومن الناس من جوز ذلك سهوا وأجمعوا على امتناع خطئهم في الفتيا عمدا واختلفوا في السهو. وأما أفعالهم فقالت الحشوية: يجوز وقوع الكبائر منهم على جهة العمد. وقال أكثر المعتزلة: بجواز الصغائر عمدا إلا في القول، كالكذب. وقال الجبائي: يمتنعان عليهم إلا على جهة التأويل. وقيل: يمتنعان عليهم، إلا على جهة السهو والخطأ، وهم مأخوذون بذلك، وإن كان موضوعا عن أمتهم. وقالت الرافضة: يمتنع ذلك على كل جهة. واختلف في وقت العصمة فقالت الرافضة: من وقت مولدهم، وقال كثير من المعتزلة: من وقت النبوة. والمختار عندنا: أنه لم يصدر عنهم ذنب حالة النبوة البتة، لا الكبيرة ولا الصغيرة، لأنهم لو صدر عنهم الذنب لكانوا أقل درجة من عصاة الأمة، لعظيم شرفهم، وذلك محال. ولئلا يكونوا غير مقبولي الشهادة، ولئلا يجب زجرهم وإيذاؤهم، ولئلا يقتدى بهم في ذلك، ولئلا يكونوا مستحقين للعقاب، ولئلا يفعلون ضد ماأمرو به، لأنهم مصطفون، ولأن إبليس استثناهم في الاغواء. انتهى ما لخصناه من المنتخب.
والقول في الدلائل لهذه المذاهب، وفي إبطال ما ينبغي إبطاله منها مذكور في كتب أصول الدين. عنها: الضمير عائد على الشجرة، وهو الظاهر، لأنه أقرب مذكور. والمعنى: فحملهما الشيطان على الزلة بسببها. وتكون عن إذ ذاك للسبب، أي أصدر الشيطان زلتهما عن الشجرة كقوله تعالى: * (وما فعلته عن أمرى) *، * (وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه) *. وقيل: عائد على الجنة، لأنها أول مذكور، ويؤيده قراءة حمزة وغيره: فأزالهما، إذ يبعد فأزالهما الشيطان عن الشجرة. وقيل: عائد على الطاعة، قالوا بدليل قوله: * (وعصى * ءادم * ربه) *، فيكون إذ ذاك الضمير عائدا على غير مذكور، إلا على ما يفهم من معنى قوله: * (ولا تقربا) * لأن المعنى: أطيعاني بعدم قربان هذه الشجرة. وقيل: عائد على الحالة التي كانوا عليها من التفكه والرفاهية والتبوء من الجنة، حيث شاءا، ومتى شاءا، وكيف شاءا بدليل، * (وكلا منها رغدا) *. وقيل: عائد على السماء وهو بعيد.
* (فأخرجهما مما كانا فيه) * من الطاعة إلى المعصية، أو من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا، أو من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذنب، أو رضوان الله، أو جواره. وكل هذه الأقوال متقاربة. قال المهدوي: إذا جعل أزلهما من زل عن المكان، فقوله: * (فأخرجهما مما كانا فيه) * توكيد. إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنة، انتهى. والأولى أن يكون بمعنى كسبهما الزلة لا يكون بإلقاء. قال ابن عطية: وهنا محذوف يدل عليه الظاهر تقديره: فأكلا من الشجرة، ويعني أن المحذوف يتقدر قبل قوله: * (فأزلهما الشيطان) *، ونسب الإزلال والإزالة والإخراج لإبليس على جهة المجاز، والفاعل للأشياء هو الله تعالى.
* (وقلنا اهبطوا) *: قرأ الجمهور بكسر الباء، وقرأ أبو حياة: اهبطوا بضم الباء، وقد ذكرنا أنهما لغتان. والقول في: * (وقلنا اهبطوا) * مثل القول في: * (وقلنا ياءادم * ءادم * اسكن) *. ولما كان أمرا بالهبوط من الجنة إلى الأرض، وكان في ذلك انحاط رتبة المأمور، لم يؤنسه بالنداء، ولا أقبل عليه بتنويهه بذكر اسمه. والإقبال عليه بالنداء بخلاف قوله: * (وقلنا ياءادم * ءادم * اسكن) *، والمخاطب بالأمر آدم وحواء والحية، قاله أبو صالح عن ابن عباس، أو هؤلاء