تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣١٧
مستقر، لأن العامل إذ ذاك فيها يكون الخبر، وهو عامل معنوي، والحال متقدمة على جزأي الإسناد، فلا يجوز ذلك، وصار نظير: قائما زيد في الدار، أو قائما في الدار زيد، وهو لا يجوز بإجماع. مستقر: أي مكان استقراركم حالتي الحياة والموت، وقيل: هو القبر، أو استقرار، كما تقدم شرحه.
* (ومتاع) *: المتاع ما استمتع به من المنافع، أو الزاد، أو الزمان الطويل، أو التعمير. * (إلى حين) *: إلى الموت، أو إلى قيام الساعة، أو إلى أجل قد علمه الله، قاله ابن عباس. ويتعلق إلى بمحذوف، أي ومتاع كائن إلى حين، أو بمتاع، أي واستمتاع إلى حين، وهو من باب الأعمال، أعمل فيه الثاني ولم يحتج إلى إضمار في الأول، لأن متعلقه فضلة، فالأولى حذفه، ولا جائز أن يكون من إعمال الأول، لأن الأولى أن لا يحذف من الثاني والأحسن حمل القرآن على الأولى. والأفصح لا يقال إنه لا يجوز أن يكون من باب الإعمال، وإن كان كل من مستقر ومتاع يقتضيه من جهة المعنى بسبب أن الأول لا يجوز أن يتعلق به إلى حين، لأنه يلزم من ذلك الفصل بين المصدر ومعموله بالمعطوف، والمصدر موصول فلا يفصل بينه وبين معموله، لأن المصدر هنا لا يكون موصولا، وذلك أن المصدر منه ما يلحظ فيه الحدوث فيتقدر مصدري مع الفعل، وهذا هو الموصول، وإنما كان موصولا باعتبار تقديره بذلك الحرف الذي هو موصول بالفعل، وإلا فالمصدر من حيث هو مصدر لا يكون موصولا، ومنه ما لا يلحظ فيه الحدوث، نحو وله: لزيد معرفة بالنحو، وبصر بالطب، وله ذكاء ذكاء الحكماء. فمثل هذا لا يتقدر بحرف مصدري والفعل، حتى ذكر النحويون أن هذا المصدر إذا أضيف لم يحكم على الاسم بعده، لا برفع ولا بنصب، قالوا: فإذا قلت: يعجبني قيام زيد، فزيد فاعل القيام تأويله يعجبني أن يقوم زيد، وممكن أن زيدا يعرى منه القيام، ولا يقصد فيه إلى إفادة المخاطب أنه فعل القيام فيما مضى، أو يفعله فيما يستقبل، بل تكون النية في الإخبار كالنية في: يعجبني خاتم زيد المحدود المعروف بصاحبه والمخفوض بالمصدر. على هذه الطريقة لا يقضى عليه برفع، ولا يؤكد، ولا ينعت، ولا يعطف عليه إلا بمثل ما يستعمل مع المخفوضات الصحاح، انتهى.
فأنت ترى تجويزهم أن لا يكون موصولا مع المصدر الذي يمكن أن يكون موصولا، وهو قولهم: يعجبني قيام زيد، فكيف مع ما لا يجوز أن يكون موصولا نحو: ما مثلنا به من قوله: له ذكاء ذكاء الحكماء، وبصر بالطب، ونحو ذلك، فكذلك يكون مستقر ومتاع من قبيل ما لا يكون موصولا. ولا يمتنع أن يعمل في الجار والمجرور، وإن لم يكن موصولا، كما مثلنا في قوله: له معرفة بالنحو، لأن الظرف والجار والمجرور يعمل فيهما روائح الأفعال، حتى الأسماء الأعلام، نحو قولهم: أنا أبو المنهال بعض الأحيان، وأنا ابن ماوية إذ جد النقر. وأما أن تعمل في الفاعل، أو المفعول به فلا. وأما إذا قلنا بمذهب الكوفيين، وهو أن المصدر إذا نون، أو دخلت عليه الألف واللام، تحققت له الاسمية وزال عنه تقدير الفعل، فانقطع عن أن يحدث إعرابا، وكانت قصته قصة زيد وعمرو والرجل والثوب، فيمكن أيضا أن يخرج عليه قوله تعالى: * (مستقر ومتاع إلى حين) *، ولا يبعد على هذا التقدير تعلق الجار والمجرور بكل منهما، لأنه يتسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما، ولأن المصدر إذ ذاك لا يكون بأبعد في العمل في الظرف أو المجرور من الاسم العلم. ويمكن أن يفسر قوله: * (مستقر * متاع * إلى حين) * بقوله: * (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون * وفى * قوله * إلى حين) * دليل على عدم البقاء في الأرض، ودليل على المعاد. وفي هذه الآية التحذير عن مخالفة أمر الله بقصد أو تأويل، وأن المخالفة تزيل عن مقام الولاية.
* (فتلقىءادم من ربه كلمات) *، تلقى: تفعل من اللقاء، وهو هنا بمعنى التجرد، أي لقي آدم، نحو قولهم: تعداك هذا الأمر، بمعنى عداك، وهو أحد المعاني التي جاءت لها تفعل، وهي سبعة عشر معنى مطاوعة فعل، نحو: كسرته فتكسر، والتكلف نحو: تحلم، والتجنب نحو: تجنب، والصيرورة نحو: تألم، والتلبس
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»