تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٨١
الرابع: أن المعنى تحول أمره إلى السماء واستقر فيها، والاستواء هو الاستقرار، فيكون ذلك على حذف مضاف، أي ثم استوى أمره إلى السماء، أي استقر لأن أوامره وقضاياه تنزل إلى الأرض من السماء، قاله الحسن البصري. والخامس: أن المعنى استوى بخلقه واختراعه إلى السماء، قاله ابن كيسان، ويؤول المعنى إلى القول الأول. السادس: أن المعنى كمل صنعه فيها، كما تقول: استوى الأمر، وهذا ينبو اللفظ عن الدلالة عليه. السابع: أن الضمير في استوى عائد على الدخان، وهذا بعيد جدا يبعده قوله تعالى: * (ثم استوى إلى السماء وهى دخان) *، واختلاف الضمائر وعوده على غير مذكور، ولا يفسره سياق الكلام.
وهذه التأويلات كلها فرار عما تقرر في العقول من أن الله تعالى يستحيل أن يتصف بالانتقال المعهود في غيره تعالى، وأن يحل فيه حادث أو يحل هو في حادث، وسيأتي الكلام على الاستواء بالنسبة إلى العرش، إن شاء الله تعالى. ومعنى التسوية: تعديل خلقهن وتقويمه وإخلاؤه من العوج والفطور، أو إتمام خلقهن وتكميله من قولهم: درهم سواء، أي وازن كامل تام، أو جعلهن سواء من قوله: * (إذ نسويكم برب العالمين) * أو تسوية سطوحها بالإملاس. والضمير في فسواهن عائد على السماء على أنها جمع سماوة، أو على أنه اسم جنس فيصدق إطلاقه على الفرد والجمع، ويكون مرادا به هنا الجمع. قال الزمخشري، والضمير في فسواهن ضمير مبهم. و * (سبع سماوات) * تفسيره كقولهم: ربه رجلا، انتهى كلامه. ومفهومه أن هذا الضمير يعود على ما بعده، وهو مفسر به، فهو عائد على غير متقدم الذكر. وهذا الذي يفسره ما بعده: منه ما يفسر بجملة، وهو ضمير الشأن أو القصة، وشرطها عند البصريين أن يصرح بجزأيها، ومنه ما يفسر بمفرد، أي غير جملة، وهو الضمير المرفوع بنعم وبئس وما جرى مجراهما. والضمير المجرور برب، والضمير المرفوع بأول المتنازعين على مذهب البصريين، والضمير المجعول خبره مفسرا له، والضمير الذي أبدل منه مفسره في إثبات هذا القسم الأخير خلاف، وذلك نحو: ضربتهم قومك، وهذا الذي ذكره الزمخشري ليس واحدا من هذه الضمائر التي سردناها، إلا أن تخيل فيه أن يكون سبع سماوات بدلا منه ومفسرا له، وهو الذي يقتضيه تشبيه الزمخشري له بربه رجلا، وأنه ضمير مبهم ليس عائدا على شيء قبله، لكن هذا يضعف بكون هذا التقدير يجعله غير مرتبط بما قبله ارتباطا كليا، إذ يكون الكلام قد تضمن أنه تعالى استوى على السماء، وأنه سوى سبع سماوات عقيب استوائه السماء، فيكون قد أخبر بإخبارين: أحدهما استواؤه إلى السماء والآخر: تسويته سبع سماوات.
وظاهر الكلام أن الذي استوى إليه هو بعينه المستوي سبع سماوات. وقد أعرب بعضهم سبع سماوات بدلا من الضمير على أن الضمير عائد على ما قبله، وهو إعراب صحيح، نحو: أخوك مررت به زيد، وأجازوا في سبع سماوات أن يكون منصوبا على المفعول به، والتقدير: فسوى منهن سبع سماوات، وهذا ليس بجيد من حيث اللفظ ومن حيث المعنى. أما من حيث اللفظ فإن سوى ليس من باب اختار، فيجوز حذف حرف الجر منه في فصيح الكلام، وأما من حيث المعنى فلأنه يدل على أن الموات كثيرة، فسوى منهن سبعا، والأمر ليس كذلك، إذ المعلوم أن السماوات سبع. وأجازوا أيضا أن يكون مفعولا ثانيا لسوى، ويكون معنى سوى: صير، وهذا ليس بجيد، لأن
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»