إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * وقليل ما هم، فلا تنافي بينهما لأن الكثرة والقلة أمران نسبيان، فالمهتدون في أنفسهم كثير، وإذا وصفوا بالقلة فبالنسبة إلى أهل الضلال، أو تكون الكثرة بالنسبة إلى الحقيقة، والقلة بالنسبة إلى الأشخاص، فسموا كثيرا ذهابا إلى الحقيقة، كما قال الشاعر:
* إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قلوا وإن كثروا * واختار بعض المعربين والمفسرين أن يكون قوله تعالى: * (*) * وقليل ما هم، فلا تنافي بينهما لأن الكثرة والقلة أمران نسبيان، فالمهتدون في أنفسهم كثير، وإذا وصفوا بالقلة فبالنسبة إلى أهل الضلال، أو تكون الكثرة بالنسبة إلى الحقيقة، والقلة بالنسبة إلى الأشخاص، فسموا كثيرا ذهابا إلى الحقيقة، كما قال الشاعر:
* إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قلوا وإن كثروا * واختار بعض المعربين والمفسرين أن يكون قوله تعالى: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * في موضع الصفة لمثل، وكان المعنى: * (ماذا أراد الله بهاذا مثلا) * يفرق به الناس إلى ضلال وإلى هداية، فعلى هذا يكون من كلام الذين كفروا. وهذا الوجه ليس بظاهر، لأن الذي ذكر أن الله لا يستحي منه هو ضرب مثل ما، أي مثل: كان بعوضة، أو ما فوقها، والذين كفروا إنما سألوا سؤال استهزاء وليسوا معترفين بأن هذا المثل * (يضل الله * به كثيرا ويهدي به كثيرا) *، إلا أن ضمن معنى الكلام أن ذلك على حسب اعتقادكم وزعمكم أيها المؤمنون فيمكن ذلك، ولكن كونه إخبارا من الله تعالى هو الظاهر، وإسناد الضلال إلى الله تعالى إسناد حقيقي كما أن إسناد الهداية كذلك، فهو خالق الضلال والهداية، وقد تؤول هنا الإضلال بالإضلال عن طريق الجنة، والإضلال عن الدين في اللغة هو الدعاء إلى تقبيح الدين وتركه، وهو الإضلال المضاف إلى الشيطان، والإضلال بهذا المعنى منتف عن الله بالإجماع. والزمخشري على طريقته الاعتزالية يقول: إسناد الضلال إلى الله تعالى إسناد إلى السبب، لأنه لما ضرب به المثل فضل به قوم واهتدى به قوم تسبب لضلالهم وهداهم. وقيل: يضل بمعنى يعذب، كقوله تعالى: * (إن المجرمين فى ضلال وسعر) *، قاله بعض المعتزلة، ورد القفال هذا وقال: بل المراد في الشاهد في ضلال عن الحق وجوز ابن عطية أن يكون قوله: * (يضل به كثيرا) * من كلام الكفار، ويكون قوله: * (ويهدي به كثيرا) * إلى آخر الآية، من كلام الله تعالى. وهذا الذي جوزه ليس بظاهر لأنه إلباس في التركيب، لأن الكلام إما أن يجري على أنه من كلام الكفار، أو يجري على أنه من كلام الله. وإما أن يجري بعضه على أنه من كلام الكفار وبعضه من كلام الله تعالى من غير دليل على ذلك فإنه يكون إلباسا في التركيب، وكتاب الله منزه عنه.
وقرأ زيد بن علي: يضل به كثير ويهدي به كثير وما يضل به إلا الفاسقون، في الثلاثة على البناء للمفعول. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة، في الثلاثة على البناء للفاعل الظاهر، مفتوح حرف المضارعة. قال عثمان بن سعيد الصيرفي: هذه قراءة القدرية. وروي عن ابن مسعود أنه قرأ: يضل بضم الياء في الأول، وما يضل به بفتح الياء، والفاسقون بالواو، وكذا أيضا في القراءتين السابقتين، وهي قراءات متجهة إلى أنها مخالفة للمصحف المجمع عليه. والظاهر أن الضمير في به في الثلاثة عائد على مثلا، وهو على حذف المضاف، أي يضرب المثل. وقيل: الضمير في به من قوله: * (يضل به) *، أي بالتكذيب في به من قوله: * (ويهدي به كثيرا) *، أي بالتصديق. ودل على ذلك قوة الكلام في قوله تعالى: * (فما فوقها فأما الذين) * * (وأما الذين كفروا فيقولون) *.
ومعنى: * (وما يضل به إلا الفاسقين) *، أي: وما يكون ذلك سببا للضلالة إلا عند من خرج عن الحق. وقال بعض أهل العلم: معنى يضل ويهدي: الزيادة في الضلال والهدى، لا أن ضرب المثل سبب للضلالة والهدى، فعلى هذا يكون التقدير: نزيد من لم يصدق به وكفر ضلالا على ضلالة، ومن آمن به وصدق إيمانا على إيمانه. والفاسقين: مفعول يضل لأنه استثناء