تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٧٢
أحدها: أنه وصية الله إلى خلقه، وأمره لهم بطاعته، ونهيه لهم عن معصيته في كتبه المنزلة وعلى ألسنة أنبيائه المرسلة، ونقضهم له تركهم العمل به. الثاني: أنه العهد الذي أخذه الله عليهم حين أخرجهم من أصلاب آبائهم في قوله: * (وإذ أخذ ربك) * الآية، ونقضهم له كفر، بعضهم بربوبيته، وبعضهم بحقوق نعمته. الثالث: ما أخذه الله عليهم في الكتب المنزلة من الإقرار بتوحيده والاعتراف بنعمه والتصديق لأنبيائه ورسله، وبما جاؤوا به في قوله: * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) * الآية، ونقضهم له نبذه وراء ظهورهم، وتبديل ما في كتبهم من وصفه صلى الله عليه وسلم). الرابع: ما أخذه الله تعالى على الأنبياء ومتبعيهم أن لا يكفروا بالله ولا بالنبي صلى الله عليه وسلم)، وأن ينصروه ويعظموه في قوله تعالى: * (وإذا * وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما) * الآية، ونقضهم له إنكارهم لنبوته وتغييرهم لصفته. الخامس: إيمانهم به صلى الله عليه وسلم) ورسالته قبل بعثه ونقضهم له جحدهم لنبوته ولصفته. السادس: ما جعله في عقولهم من الحجة على توحيده وتصديق رسوله، بالنظر في المعجزات الدالة على إعجاز القرآن وصدقه ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم)، ونقضهم هو تركهم النظر في ذلك وتقليدهم لآبائهم. السابع: الأمانة المعروضة على السماوات والأرض التي حملها الإنسان، ونقضهم تركهم القيام بحقوقها. الثامن: ما أخذه عليهم من أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، ونقضهم عودهم إلى ما نهوا عنه، وهذا القول يدل على أن المخاطب بذلك بنو إسرائيل. التاسع: هو الإيمان والتزام الشرائع، ونقضه كفره بعد الإيمان.
وهذه الأقوال التسعة منها ما يدل على العموم في كل ناقض للعهد، ومنها ما يدل على أن المخاطب قوم مخصوصون، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف الذي وقع في سبب النزول، والعموم هو الظاهر. فكل من نقض عهد الله من مسلم وكافر ومنافق أو مشرك أو كتابي تناوله هذا الذم، ومن متعلقة بقوله ينقضون، وهي لابتداء الغاية، ويدل على أن النقض حصل عقيب توثق العهد من غير فصل بينهما، وفي ذلك دليل على عدم اكتراثهم بالعهد، فإثر ما استوثق الله منهم نقضوه. وقيل: من زائدة وهو بعيد، والميثاق مفعول من الوثاقة، وهو الشد في العقد، وقد ذكرنا أنه العهد المؤكد باليمين. وليس المعنى هنا على ذلك، وإنما كنى به عن الالتزام والقبول. قال أبو محمد بن عطية: هو اسم في موضع المصدر، كما قال عمرو بن شييم:
* أكفرا بعد رد الموت عني * وبعد عطائك المائة الرتاعا * أراد بعد إعطائك، انتهى كلامك. ولا يتعين ما ذكر، بل قد أجاز الزمخشري أن يكون بعد التوثقة، كما أن الميعاد بمعنى الوعد، والميلاد بمعنى الولادة، وظاهر كلام الزمخشري أن يكون مصدرا، والأصل في مفعال أن يكون وصفا
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»