تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٢٦٦
إذا ما استحين الماء يعرض نفسه قال أبو التمام:
* هو الليث ليث الغاب بأسا ونجدة * وإن كان أحيا منه وجها وأكرما * ويجوز أن يكون قوله تعالى: * (لا يستحى) * على سبيل المقابلة، لأنه روي أن الكفار قالوا: ما يستحي رب محمد أن يضرب الأمثال بالذباب والعنكبوت ومجئ الشيء على سبيل المقابلة، وإن لم يكن من جنس ما قوبل به، شائع في لسان العرب، ومنه: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) *، وجاء ذكر الاستحياء منفيا عن الله تعالى، وإن كان إثباته بموضوع اللغة لا يصح نسبته إلى الله تعالى، فكل أمر مستحيل على الله تعالى إثباته، يصح أن ينفي عن الله تعالى، وبذلك نزل القرآن وجاءت السنة. ألا ترى إلى قوله تعالى: * (لا تأخذه سنة ولا نوم) *، * (لم يلد ولم يولد) * * (ما اتخذ الله من ولد) *، * (وهو يطعم ولا يطعم) *؟ ونقول: الله تعالى ليس بجسم. فالإخبار بانتفاء هذه الأشياء هو الصدق المحض، وليس انتفاء الشيء مما يدل على تجويزه على من نفي عنه، ولا صحة نسبته إليه، كما ذهب إليه أبو بكر بن الطيب وغيره. زعم أن ما لا يجوز على الله إثباتا يجب أن لا يطلق على طريق النفي، قال: فيما ورد من ذلك هو بصورة النفي وليس بنفي على الحقيقة، وكثرة ذلك، أعني نفي الشيء عما لا يصح إثباته، له كثير في القرآن ولسان العرب، بحيث لا يحصر ما ورد من ذلك. ويضرب: قيل معناه: يبين، وقيل: يذكر، وقيل: يضع، من ضربت عليهم الذلة، وضرب البعث على بني فلان، ويكون يضرب قد تعدى إلى واحد، وقيل يضرب: في معنى يجعل ويصير، كما تقول: ضربت الطين لبنا، وضربت الفضة خاتما. فعلى هذا يتعدى لاثنين، والأصح أن ضرب لا يكون من باب ظن وأخواتها، فيتعدى إلى اثنين، وبطلان هذا المذهب مذكور في كتب النحو. وما: إذا نصبت بعوضة زائدة للتأكيد أو صفة للمثل تزيد النكرة شياعا، كما تقول: ائتني برجل ما، أي: أي رجل كان. وأجاز الفراء، وثعلب، والزجاج: أن تكون ما نكرة، وينتصب بدلا من قوله: مثلا. وقرأ الجمهور: بنصب بعوضة. واختلف في توجيه النصب على وجوه:
أحدها: أن تكون صفة لما، إذا جعلنا ما بدلا من مثل، ومثلا مفعول بيضرب، وتكون ما إذ ذاك قد وصفت باسم الجنس المتنكر لإبهام ما، وهو قول الفراء. الثاني: أن تكون بعوضة عطف بيان، ومثلا مفعول بيضرب. الثالث: أن تكون بدلا من مثل. الرابع: أن يكون مفعولا ليضرب، وانتصب مثلا حالا من النكرة مقدمة عليها. والخامس: أن تكون مفعولا ليضرب ثانيا، والأول هو المثل على أن يضرب يتعدى إلى اثنين. والسادس: أن تكون مفعولا أول ليضرب، ومثلا المفعول الثاني.
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»