أنه لما وصفهم باليقين نفى عنهم أن يشكوا فيما يستقبل بعد يقينهم الحاصل الآن فكأنه وصفهم باليقين في الحال والاستقبال وقال الزمخشري ذلك مبالغة وتأكيد * (وليقول الذين في قلوبهم مرض) * المرض عبارة عن الشك وأكثر ما يطلق الذين في قلوبهم مرض على المنافقين فإن قيل هذه السورة مكية ولم يكن حينئذ منافقون وإنما حدث المنافقون بالمدينة فالجواب من وجهين أحدهما أن معناه يقول المنافقون إذا حدثوا ففيه إخبار بالغيب والآخر أن يريد من كان بمكة من أهل الشك وقولهم ماذا أراد الله بهذا مثلا استبعاد لأن يكون هذا من عند الله (وما يعلم جنود ربك إلا هو) يحتمل القصد بهذا وجهين أحدهما وصف جنود الله بالكثرة أي هم من كثرتهم لا يعلمهم إلا الله والآخر رفع اعتراض الكفار على التسعة عشر أي لا يعلم أعداد جنود الله إلا هو لأن منهم عددا قليلا ومنهم عددا كثيرا حسبما أراد الله * (وما هي إلا ذكرى للبشر) * الضمير لجهنم أو للآيات المتقدمة * (كلا) * ردع للكفار عن كفرهم وقال الزمخشري هي إنكار لأن تكون لهم ذكرى * (إذ أدبر) * أي ولى وقرئ دبر بغير ألف والمعنى واحد وقيل معناه دبر الليل والنهار أي جاء في دبره * (والصبح إذا أسفر) * أي أضاء ومنه الإسفار بصلاة الصبح * (إنها لإحدى الكبر) * الضمير لجهنم أو للآيات والنذارة أي هي من الأمور العظام والكبر جمع كبرى وقال ابن عطية جمع كبيرة والأول هو الصحيح * (نذيرا للبشر) * تمييز أو حال من إحدى الكبر وقيل النذير هنا الله فالعامل فيه على هذا محذوف وهذا ضعيف وقيل هو حال من هذه السورة أي قم فأنذر نذيرا وهذا بعيد قال الزمخشري هو من بدع التفاسير * (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) * التقديم عبارة عن تقديم سلوك طريق الهدى والتأخر ضده ولمن شاء بدل من البشر أي هم متمكنون من التقدم والتأخر وقيل معناه الوعيد كقوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وعلى هذا أعرب الزمخشري أن يتقدم مبتدأ ولمن شاء خبره والأول أظهر * (رهينة) * قال ابن عطية الهاء في رهينة للمبالغة أو على تأنيث النفس وقال الزمخشري ليست بتأنيث رهين لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث وإنما هي بمعنى الرهن أي كل نفس رهن عند الله بعملها * (إلا أصحاب اليمين) * أي أهل السعادة فإنهم فكوا رقابهم بأعمالهم الصالحة كما فك الراهن رهنه بأداء الحق وقال علي بن أبي طالب أصحاب اليمين هم الأطفال لأنهم لا أعمال لهم يرتهنون بها وقال ابن عباس هم الملائكة * (يتساءلون عن المجرمين) * أي يسأل بعضهم بعضا عن حال المجرمين الذين في النار " ما سلككم في سقر " أي ما أدخلكم النار وهذا خطاب للمجرمين يحتمل أن خاطبهم به المسلمون أو الملائكة فأجابوهم بقولهم لم نك من المصلين وما بعده أي هذا الذي أوجب دخولهم النار وإنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيما له لأنه أعظم جرائمهم * (نخوض) * الخوض هو كثرة الكلام بما لا ينبغي من الباطل وشبهه * (حتى أتانا اليقين) * هو الموت عند المفسرين وقال ابن
(١٦٢)