التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٥٤
يخاف بخسا ولا رهقا) البخس النقص والظلم والرهق تحمل مالا يطاق وقال ابن عباس البخس نقص الحسنات والرهق الزيادة في السيئات * (ومنا القاسطون) * يعني الظالمين يقال قسط الرجل إذا جار وأقسط بالألف إذا عدل وهاهنا انتهى ما حكاه الله من كلام الجن وأما قوله فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا يحتمل أن يكون من بقية كلامهم أو يكون ابتداء كلام الله تعالى وهو الذي اختاره ابن عطية وأما قوله وأن لو استقاموا فهو من كلام الله باتفاق وليس من كلامهم * (تحروا) * أي قصدوا الرشد * (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) * الماء الغدق الكثير وذلك استعارة في توسيع الرزق والطريقة هي طريقة الإسلام وطاعة الله فالمعنى لو استقاموا على ذلك لو سع الله أرزاقهم فهو كقوله * (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) * وقيل هي طريقة الكفر والمعنى على هذا لو استقاموا على الكفر لوسع الله عليهم في الدنيا أملاكهم استدراجا ويؤيد هذا قوله * (لنفتنهم فيه) * والأول أظهر والضمير في استقاموا يحتمل أن يكون للمسلمين أو للقاسطين المذكورين أو لجميع الجن أو للجن الذين سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم أو لجميع الخلق * (لنفتنهم فيه) * إن كانت الطريقة الإيمان والطاعة فمعنى الفتنة الاختبار هل يسلمون أم لا وإن كانت الطريقة الكفر فمعنى الفتنة الإضلال والاستدراج " نسلكه عذابا صعدا " معنى نسلكه ندخله والصعد الشديد المشقة وهو مصدر صعد يصعد ووصف بالمصدر للمبالغة يقال فلان في صعد أي في مشقة وقيل صعدا جبل في النار * (وأن المساجد لله) * أراد المساجد على الإطلاق وهي بيوت عبادة الله وروى أن الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة وقيل أراد الأعضاء التي يسجد عليها واحدها مسجد بفتح الجيم وهذا بعيد وعطف أن المساجد لله على أوحى إلى أنه استمع وقال الخليل معنى الآية لأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا أي لهذا السبب فلا تعبدوا غير الله * (وأنه لما قام عبد الله يدعوه) * عبد الله هنا محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بالعبودية اختصاصا له وتقريبا وتشريفا وقال الزمخشري أنه سماه هنا عبد الله ولم يقل الرسول أو النبي لأن هذا واقع في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه لأنه مما أوحى أليه فذكر صلى الله عليه وسلم نفسه على ما يقتضيه التواضع والتذلل وهذا الذي قاله بعيد مع أنه إنما يمكن على قراءة أنه لما قام بفتح الهمزة فيكون عطفا على أوحى إلى أنه استمع وأما على القراءة بالكسر على الاستئناف فيكون إخبارا من الله أو من جملة كلام الجن فيبطل ما قاله * (كادوا يكونون عليه لبدا) * اللبد الجماعات واحدها لبدة والضمير في كادوا يحتمل أن يكون للكفار من الناس أي كادوا يجتمعون على الرد عليه وإبطال أمره أو يكون للجن الذين استمعوا أي كادوا يجتمعون عليه
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»