سورة المزمل * (يا أيها المزمل) * نداء للنبي صلى الله عليه وسلم ووزن المزمل متفعل فأصله متزمل ثم سكنت التاء وأدغمت في الزاي وفي تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بالمزمل ثلاثة أقوال أحدها أنه كان في وقت نزول الآية متزملا في كساء أو لحاف والتزمل الالتفاف في الثياب بضم وتشمير هذا قول عائشة والجمهور والثاني أنه كان قد تزمل في ثيابه للصلاة الثالث أن معناه المتزمل للنبوة أي المتشمر المجد في أمرها والأول هو الصحيح لما ورد في البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملك وهو في غار حراء في ابتداء الوحي رجع صلى الله عليه وسلم إلى خديجة ترعد فرائصه فقال زملوني زملوني فنزلت يا أيها المدثر وعلى هذا نزلت يا أيها المزمل فالمزمل على هذا تزمله من أجل الرعب الذي أصابه أول ما جاءه جبريل وقال الزمخشري كان نائما في قطيفة فنودي يا أيها المزمل ليبين الله الحالة التي كان عليها من التزمل في القطيفه لأنه سبب للنوم الثقيل المانع من قيام الليل وهذا القول بعيد غير سديد وقال السهيلي في ندائه بالمزمل فائدتان إحداهما الملاطفة فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قم أبا تراب والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد بالليل ليتنبه إلى ذكر الله لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه المخاطب وكل من اتصف بتلك الصفة * (قم الليل) * هذا الأمر بقيام الليل اختلف هل هو واجب أو مندوب فعلى القول بالندب فهو ثابت غير منسوخ وأما على القول بالوجوب ففيه ثلاثة أقوال أحدها أنه فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ولم يزل فرضا عليه حتى توفى الثاني أنه فرض عليه وعلى أمته فقاموا حتى انتفخت أقدامهم ثم نسخ بقوله في آخر السورة إن ربك يعلم أنك تقوم الآية وصار تطوعا هذا قول عائشة رضي الله عنها وهو الصحيح واختلف كم بقي فرضا فقالت عائشة عاما وقيل ثمانية أشهر وقيل عشرة أعوام فالآية الناسخة على هذا مدنية الثالث أنه فرض عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته وهو ثابت غير منسوخ ولكن ليس الليل كله إلا ما تيسر منه وهو مذهب الحسن وابن سيرين * (إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه) * في معنى هذا الكلام أربعة أقوال الأول وهو الأشهر والأظهر أن الاستثناء من الليل وقوله نصفه بدل من الليل أو من قليلا وجعل النصف قليلا بالنسبة إلى الجميع والضميران في قوله أو انقص منه أو زد عليه عائدان على النصف والمعنى أن الله خيره بين ثلاثة أحوال وهو أن يقوم نصف الليل أو ينقص من النصف قليلا أو يزد عليه الثاني قال الزمخشري إلا قليلا استثناء من النصف كأنه قال نصف الليل إلا قليلا فخيره على هذا بين حالتين وهما أن يقوم أقل من النصف أو أكثر منه وهذا ضعيف لأن قوله أو انقص منه قليلا تضمن معنى النقص من النصف فلا فائدة زائدة في استثناء القليل من النصف القول الثالث قال الزمخشري أيضا يجوز أن يريد بقوله أو انقص منه قليلا نصف النصف وهو الربع ويكون الضمير في قوله أو زد عليه يعود على ذلك أي زد على الربع فيكون ثلثا فيكون التخيير
(١٥٦)