التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١٧٤
الدين والدنيا وعلى القول الثاني إلى الجنة وقالت المتصوفة معناه إني ذاهب إلى ربي بقلبي أي مقبل على الله بكليتي تاركا سواه * (رب هب لي من الصالحين) * يعني ولدا من الصالحين * (فبشرناه بغلام حليم) * أي عاقل واختلف الناس في هذا الغلام المبشر به في هذا الموضع وهو الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فقال ابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين هو إسماعيل وحجتهم من ثلاثة أوجه الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل عليه السلام ووالده عبد الله حين نذر والده عبد المطلب أن ينحره إن يسر الله له أمر زمزم ففداه بمائة من الإبل والثاني أن الله تعالى قال بعد تمام قصة الذبيح وبشرناه بإسحق فدل ذلك على أن الذبيح غيره والثالث أنه روي أن إبراهيم جرت له قصة الذبح بمكة وإنما كان معه بمكة إسماعيل وذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من التابعين إلى أن الذبيح إسحاق وحجتهم من وجهين الأول أن البشارة المعروفة لإبراهيم بالوادي إنما كانت بإسحاق لقوله فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب والثاني أنه روي أن يعقوب كان يكتب من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله * (فلما بلغ معه السعي) * يريد بالسعي هنا العمل والعبادة وقيل المشي وكان حينئذ ابن ثلاثة عشر سنة * (قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) * يحتمل أن يكون رأى في المنام الذبح وهو الفعل أو أمر في المنام أنه يذبحه والأول أظهر في اللفظ هنا والثاني أظهر في قوله افعل ما تؤمر ورؤيا الأنبياء حق فوجب عليه الامتثال على الوجهين * (فانظر ماذا ترى) * إن قيل لم شاوره في أمر هو حتم من الله فالجواب أنه لم يشاوره ليرجع إلى رأيه ولكن ليعلم ما عنده فيثبت قلبه ويوطن نفسه على الصبر فأجابه بأحسن جواب * (فلما أسلما) * أي استسلما وانقادا لأمر الله * (وتله للجبين) * أي صرعه بالأرض على جبينه وللإنسان جبينان حول الجبهة وجواب لما محذوف عند البصريين تقديره فلما أسلما كان ما كان من الأمر العظيم وقال الكوفيون جوابها تله والواو زائدة وقال بعضهم جوابها ناديناه والواو زائدة * (قد صدقت الرؤيا) * يحتمل أنه يريد بقلبك أي كانت عندك رؤيا صادقة فعملت بحسبها ويحتمل أن يريد صدقتها بعملك أي وفيت حقها من العمل فإن قيل إنه أمر بالذبح ولم يذبح فكيف قيل له صدقت الرؤيا فالجواب أنه قد بذل جهده إذ قد عزم على الذبح ولو لم يفده الله لذبحه ولكن الله هو الذي منعه من ذبحه لما فداه فامتناع ذبح الولد إنما كان من الله وبأمر الله وقد قضى إبراهيم ما عليه * (البلاء المبين) * أي الاختبار البين الذي يظهر به طاعة الله أو المحنة البينة الصعوبة * (وفديناه بذبح عظيم) * الذبح اسم لما يذبح وأراد به هنا الكبش الذي فدى به وروي أنه من كباش الجنة وقيل إنه الكبش الذي قرب به ولد آدم ووصفه بعظيم لذلك أو لأنه من عند الله أو لأنه متقبل وروي في القصص أن الذبيح قال لإبراهيم اشدد رباطي لئلا أضطرب واصرف بصرك عني
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»