* (فما ظنكم برب العالمين) * المعنى أي شيء تظنون برب العالمين أن يعاقبكم به وقد عبدتم غيره أو أي شيء تظنون أنه هو حتى عبدتم غيره كما تقول ما ظنك بفلان إذا قصدت تعظيمه فالمقصد على المعنى الأول تهديد وعلى الثاني تعظيم لله وتوبيخ لهم * (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) * روي أن قومه كان لهم عيد يخرجون إليه فدعوه إلى الخروج معهم فحينئذ قال إني سقيم ليمتنع عن الخروج معهم فيكسر أصنامهم إذا خرجوا لعيدهم وفي تأويل ذلك ثلاثة أقوال الأول أنها كانت تأخذه الحمى في وقت معلوم فنظر في النجوم ليرى وقت الحمى واعتذر عن الخروج لأنه سقيم من الحمى والثاني أن قومه كانوا منجمين وكان هو يعلم أحكام النجوم فأوهمهم أنه استدل بالنظر في علم النجوم أنه يسقم فاعتذر بما يخلف من السقم عن الخروج معهم والثالث أن معنى نظر في النجوم أنه نظر وفكر فيما يكون من أمره معهم فقال إني سقيم والنجوم على هذا ما ينجم من حاله معهم وليست بنجوم السماء وهذا بعيد وقوله إني سقيم على حسب هذه الأقوال يحتمل أن يكون حقا لا كذب فيه ولا تجوز أصلا ويعارض هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات أحدها قوله إني سقيم ويحتمل أن يكون كذبا صراحا وجاز له ذلك لهذا الاحتمال لأنه فعل ذلك من أجل الله إذ قصد كسر الأصنام ويحتمل أن يكون من المعاريض فإن أراد أنه سقيم فيما يسقبل لأن كل إنسان لا بد له أن يمرض أو أراد أنه سقيم النفس من كفرهم وتكذيبهم له وهذان التأويلان أولى لأن نفي الكذب بالجملة معارض للحديث والكذب الصراح لا يجوز على الأنبياء عند أهل التحقيق أما المعاريض فهي جائزة * (فتولوا عنه مدبرين) * أي تركوه إعراضا عنه وخرجوا إلى عيدهم وقيل إنه أراد بالسقم الطاعون وهو داء يعدي فخافوا منه وتباعدوا عنه مخافة العدوي * (فراغ) * أي مال * (فقال ألا تأكلون) * إنما قال ذلك على وجه الاستهزاء بالذين يعبدون تلك الأصنام * (ضربا باليمين) * أي يمين يديه وقيل بالقوة وقيل بالحلف وهو قوله تالله لأكيدن أصنامكم والأول أظهر وأليق بالضرب وضربا مصدر في موضع الحال * (يزفون) * أي يسرعون * (قال أتعبدون ما تنحتون) * أي تنجرون والنحت النجارة إشارة إلى صنعهم للأصنام من الحجارة والخشب * (والله خلقكم وما تعملون) * ذهب قوم إلى أن ما مصدرية والمعنى الله خلقكم وأعمالكم وهذه الآية عندهم قاعدة في خلق أفعال العباد وقيل إنها موصولة بمعنى الذي والمعنى الله خلقكم وخلق أصنامكم التي تعملونها وهذا أليق بسياق الكلام وأقوى في قصد الاحتجاج على الذين عبدوا الأصنام وقيل إنها نافية وقيل إنها استفهامية وكلاهما باطل * (قالوا ابنوا له بنيانا) * قيل البنيان في موضع النار وقيل بل كان للمنجنيق الذي رمى عنه * (فأرادوا به كيدا) * يعني حرقه بالنار * (فجعلناهم الأسفلين) * أي المغلوبين * (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) * قيل إنه قال هذا بعد خروجه من النار وأراد أنه ذاهب أي مهاجر إلى الله فهاجر إلى أرض الشام وقيل إنه قال ذلك قبل أن يطرح في النار وأراد أنه ذاهب إلى ربه بالموت لأنه ظن أن النار تحرقه وسيهدين على القول الأول يعني الهدى إلى صلاح
(١٧٣)