تفسير البيضاوي - البيضاوي - ج ٤ - الصفحة ٤١
الذي هو عند العقل فبدأ بخلق الأرض والسماوات التي هي أصول العالم وقدم الأرض لأنها أقرب غلى الحس وأظهر عنده من السماوات العلى وهو جمع العليا تأنيث العلى ثم أشار إلى وجه إحداث الكائنات وتدبير أمرها بأن قصد العرش فأجرى منه الأحكام والتقادير وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير حسب ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فقال * (الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) * ليدل بذلك على كمال قدرته وإرادته ولما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليات الأمور وخفياتها على سواء فقال * (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) * أي وإن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى منه وهو ضمير النفس وفيه على أن شرع الذكر والدعاء والجهر فيهما ليس لإعلام الله بل لتصوير النفس بالذكر ورسوخه فيها ومنعها عن الاشتغال بغيره وهضمها بالتضرع والجؤار ثم إنه لما ظهر بذلك أنه المستجمع لصفات الألوهية بين أنه المتفرد بها والمتوحد بمقتضاها فقال * (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) * ومن في * (ممن خلق الأرض) * صلة ل * (تنزيلا) * أو صفة * (له) * والانتقال من التكلم إلى الغيبة للتفنن في الكلام وتفخيم المنزل من وجهين إسناد إنزاله إلى ضمير الواحد العظيم الشأن ونسبته إلى المختص بصفات الجلال والإكرام والتنبيه على أنه واجب الإيمان به والانقياد له من حيث أنه كلام من هذا شأنه ويجوز أن يكون أنزلناه حكاية كلام جبريل والملائكة النازلين معه وقرئ * (الرحمن) * على الجر صفة لمن خلق فيكون * (على العرش استوى) * خبر محذوف وكذا إن رفع * (الرحمن) * على المدح دون الابتداء ويجوز أن يكون خبرا ثانيا والثرى الطبقة الترابية من الأرض وهي آخر طبقاتها و * (الحسنى) * تأنيث الأحسن وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هي أشرف المعاني وأفضلها
(٤١)
مفاتيح البحث: الجهر والإخفات (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»