تفسير البيضاوي - البيضاوي - ج ١ - الصفحة ٢٥٤
* (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة) * لما كانت الآيات السابقة متضمنة لأنواع من التمثيل عقب ذلك ببيان حسنه وما هو الحق له والشرط فيه وهو أن يكون على وفق الممثل له من الجهة التي تعلق بها التمثيل في العظم والصغر والخسة والشرف دون الممثل فإن التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعنى الممثل له ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد المحسوس ليساعد فيه الوهم العقل ويصالحه عليه فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة من الوهم لأن من طبعه الميل إلى الحس وحب المحاكاة ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفشت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء فيمثل الحقير كما يمثل العظيم بالعظيم وإن كان المثل أعظم من كل عظيم كما مثل في الإنجيل غل الصدور بالنخالة والقلوب القاسية بالحصاة ومخاطبة السفهاء بإثارة الزنابير وجاءفي كلام العرب أسمع من قراد وأطيش من فراشه وأعز من مخ البعوض لا ما قالت الجهلة من الكفار لما مثل الله حال المنافقين بحال المستوقدين وأصحاب الصيب وعبادة الأصنام في الوهن والضعف ببيت العنكبوت وجعلها أقل من الذباب والعنكبوت وأيضا لما أرشدهم إلى ما يدل على أن المتحدي به وحي منزل ورتب عليه وعيد من كفر به ووعد من آمن به بعد ظهور أمره شرع في جواب ما طعنوا به فيه فقال تعالى * (إن الله لا يستحيي) * أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحي أن يمثل بها لحقارتها والحياء انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم وهو الوسط بين
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»