لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار. حكاه الماوردي. وقد مضى في سورة " الرحمن " (1) عند قوله تعالى: " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " [الرحمن: 56] بيان أنهم يدخلونها.
الخامسة - قال البيهقي في روايته: وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة فقال: [لكم كل عظم] دليل على أنهم يأكلون ويطعمون. وقد أنكر جماعة من كفرة الأطباء والفلاسفة الجن، وقالوا: إنهم بسائط، ولا يصح طعامهم، اجتراء على الله وافتراء، والقرآن والسنة ترد عليهم، وليس في المخلوقات بسيط مركب مزدوج، إنما الواحد الواحد (2) سبحانه، وغيره مركب وليس بواحد كيفما تصرف حاله. وليس يمتنع أن يراهم النبي صلى الله عليه وسلم في صورهم كما يرى الملائكة. وأكثر ما يتصورون لنا في صور الحيات، ففي الموطأ: أن رجلا حديث عهد بعرس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار أن يرجع إلى أهله... الحديث، وفيه: فإذا حية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها. وذكر الحديث.
وفي الصحيح أنه عليه السلام قال: " إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليها ثلاثا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر ". وقال: " اذهبوا فادفنوا صاحبكم " (3) وقد مضى هذا المعنى في سورة " البقرة " (4) وبيان التحريج عليهن. وقد ذهب قوم إلى أن ذلك مخصوص بالمدينة، لقوله في الصحيح: " إن بالمدينة جنا قد أسلموا ". وهذا لفظ مختص بها فيختص بحكمها. قلنا: هذا يدل على أن غيرها من البيوت مثلها، لأنه (5) لم يعلل بحرمة المدينة، فيكون ذلك الحكم مخصوصا بها، وإنما علل بالاسلام، وذلك عام في غيرها، ألا ترى قوله في الحديث مخبرا عن الجن الذي لقي: [وكانوا من جن الجزيرة]، وهذا بين يعضده قوله: [ونهى عن عوامر البيوت] وهذا عام. وقد مضى في سورة (البقرة) القول في هذا فلا معنى للإعادة.