أي مخوف، وخص الانذار بمن يخشى، لأنهم المنتفعون به، وإن كان منذرا لكل مكلف، وهو كقوله تعالى: " إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب " [يس: 11]. وقراءة العامة " منذر " بالإضافة غير منون، طلب التخفيف، وإلا فأصله التنوين، لأنه للمستقبل وإنما لا ينون في الماضي. قال الفراء: يجوز التنوين وتركه، كقوله تعالى: " بالغ أمره " [الطلاق: 3]، و " بالغ أمره " و " موهن كيد الكافرين " [الأنفال: 18] و " موهن كيد الكافرين " والتنوين هو الأصل، وبه قرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن محيصن وحميد وعياش عن أبي عمرو " منذر " منونا، وتكون في موضع نصب، والمعنى نصب، إنما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة. وقال أبو علي: يجوز أن تكون الإضافة للماضي، نحو ضارب زيد أمس، لأنه قد فعل الانذار، الآية رد على من قال: أحوال الآخرة غير محسوسة، وإنما هي راحة الروح أو تألمها من غير حس. " كأنهم يوم يرونها " يعني الكفار يرون الساعة " لم يلبثوا " أي في دنياهم، " إلا عشية " أي قدر عشية " أو ضحاها " أي أو قدر الضحا الذي يلي تلك العشية، والمراد تقليل مدة الدنيا، كما قال تعالى: " لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " [الأحقاف: 35]. وروى الضحاك عن ابن عباس:
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا يوما واحدا. وقيل: " لم يلبثوا " في قبورهم " إلا عشية أو ضحاها "، وذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول. وقال الفراء:
يقول القائل: وهل للعشية ضحا؟ وإنما الضحا لصدر النهار، ولكن أضيف الضحا إلى العشية، وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب، يقولون: آتيك الغداة أو عشيتها، وآتيك العشية أو غداتها، فتكون العشية في معنى آخر النهار، والغداة في معنى أول النهار، قال:
وأنشدني بعض بني عقيل:
نحن صبحنا عامرا في دارها * جردا تعادي طرفي نهارها * عشية الهلال أو سرارها * أراد: عشية الهلال، أو سرار العشية، فهو أشد من آتيك الغداة أو عشيها.