قوله تعالى: " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك " هذا من قول الجن، أي قال بعضهم لبعض لما دعوا أصحابهم إلى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإنا كنا قبل استماع القرآن منا الصالحون ومنا الكافرون. وقيل: " ومنا دون ذلك " أي ومن دون الصالحين في الصلاح، وهو أشبه من حمله على الايمان والشرك. (كنا طرائق قددا) أي فرقا شتى، قاله السدي. الضحاك: أديانا مختلفة. قتادة: أهواء متباينة، ومنه قول الشاعر:
القابض الباسط الهادي بطاعته * في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد والمعنى: أي لم يكن كل الجن كفارا بل كانوا مختلفين: منهم كفار، ومنهم مؤمنون صلحاء، ومنهم مؤمنون غير صلحاء. وقال المسيب: كنا مسلمين ويهود ونصارى ومجوس. وقال السدي في قوله تعالى: " طرائق قددا " قال: في الجن مثلكم قدرية، ومرجئة، وخوارج، ورافضة، وشيعة، وسنية. وقال قوم: أي وإنا بعد استماع القرآن مختلفون: منا المؤمنون ومنا الكافرون.
أي ومنا الصالحون ومنا مؤمنون لم يتناهوا في الصلاح. والأول أحسن، لأنه كان في الجن من آمن بموسى وعيسى، وقد أخبر الله عنهم أنهم قالوا: " إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه " [الأحقاف: 30] وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوراة، وكان هذا مبالغة منهم في دعاء من دعوهم إلى الايمان. وأيضا لا فائدة في قولهم: نحن الآن منقسمون إلى مؤمن وإلى كافر.
والطرائق: جمع الطريقة وهي مذهب الرجل، أي كنا فرقا مختلفة. ويقال: القوم طرائق أي على مذاهب شتى. والقدد: نحو من الطرائق وهو توكيد لها، واحدها: قدة. يقال: لكل طريق قدة، وأصلها من قد السيور، وهو قطعها، قال لبيد يرثى أخاه أربد (1):
لم تبلغ العين كل نهمتها * ليلة تمسي الجياد كالقدد (1)