المؤمنين رحمة منه بهم وتفضلا عليهم. وقال أبو ثور وداود مثل قول مالك، وأن الوضوء بالماء المستعمل جائز، لأنه ماء طاهر لا ينضاف إليه شئ وهو ماء مطلق. واحتجوا بإجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضئ نجاسة. وإلى هذا ذهب أبو عبد الله المروزي محمد بن نصر. وروى عن علي بن أبي طالب وابن عمر وأبى أمامة وعطاء بن أبي والحسن البصري والنخعي ومكحول والزهري أنهم قالوا فيمن نسى مسح رأسه فوجد في لحيته بللا: إنه يجزئه أن يمسح بذلك البلل رأسه، فهؤلاء كلهم أجازوا الوضوء بالماء المستعمل. روى عبد السلام بن صالح حدثنا إسحاق بن سويد عن العلاء بن زياد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرضى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ذات يوم وقد اغتسل وقد بقيت لمعة من جسده لم يصبها الماء، فقلنا: يا رسول الله، هذه لمعة لم يصبها الماء، فكان له شعر وارد (1)، فقال (2) بشعره هكذا على المكان فبله. أخرجه الدارقطني، وقال: عبد السلام بن صالح هذا بصري وليس بقوي وغيره من الثقات يرويه عن إسحاق عن العلاء مرسلا، وهو الصواب.
قلت: الراوي الثقة عن إسحاق بن سويد العدوى عن العلاء بن زياد العدوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل...، الحديث فيما ذكره هشيم. قال ابن العربي: " مسألة الماء المستعمل إنما تنبني على أصل آخر، وهو أن لآلة إذا أدى بها فرض هل يؤدى بها فرض آخر أم لا، فمنع ذلك المخالف قياسا على الرقبة إذا أدى بها فرض عتق لم يصلح أن يتكرر في أداء فرض آخر، وهذا باطل من القول، فإن العتق إذا أتى على الرق أتلفه فلا يبقى محل لأداء الفرض بعتق آخر. ونظيره من الماء ما تلف على الأعضاء فإنه لا يصح أن يؤدى به فرض آخر لتلف عينه حسا كما تلف الرق في الرقبة بالعتق حكما، وهذا نفيس فتأملوه ".