ويقول الشاعر:
خليلي هل في نظرة بعد توبة * أداوى بها قلبي على فجور إلى رجح الأكفال غيد (1) من الظبا * عذاب الثنايا ريقهن طهور فوصف الريق بأنه طهور وليس بمطهر. وتقول العرب: رجل نؤوم وليس ذلك بمعنى أنه منيم لغيره، وإنما يرجع ذلك إلى فعل نفسه. ولقد أجاب علماؤنا عن هذا فقالوا: وصف شراب الجنة بأنه طهور يفيد التطهير عن أوضار الذنوب وعن خسائس الصفات كالغل والحسد، فإذا شربوا هذا الشراب يطهرهم الله من رحض الذنوب وأوضار الاعتقادات الذميمة، فجاءوا الله بقلب سليم، ودخلوا الجنة بصفات التسليم، وقيل لهم حينئذ: " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ". ولما كان حكمه في الدنيا بزوال حكم الحدث بجريان الماء على الأعضاء كانت تلك حكمته في الآخرة. وأما قول الشاعر:
*... ريقهن طهور * فإنه قصد بذلك المبالغة في وصف الريق بالطهورية لعذوبته وتعلقه بالقلوب، وطيبه في النفوس، وسكون غليل المحب برشفه حتى كأنه الماء الطهور، وبالجملة فإن الأحكام الشرعية لا تثبت بالمجازاة الشعرية، فإن الشعراء يتجاوزون في الاستغراق حد الصدق إلى الكذب، ويسترسلون في القول حتى يخرجهم ذلك إلى البدعة والمعصية، وربما وقعوا في الكفر من حيث لا يشعرون. ألا ترى إلى قول بعضهم:
ولو لم تلامس صفحة الأرض رجلها * لما كنت أدرى علة للتيمم وهذا كفر صراح، نعوذ بالله منه. قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا منتهى لباب كلام العلماء، وهو بالغ في فنه، إلا أنى تأملت من طريق العربية فوجدت فيه