قلت: فهذه أربع مسائل تضمنتها المسألة الحادية عشرة.
الأولى من الأربع مسائل، قال علماؤنا: أما التعيين فيشبه أنه كان في ثاني حال المراوضة، و إنما عرض الامر مجملا، وعين بعد ذلك وقد قيل: إنه زوجه صفوريا وهي الصغرى.
يروى عن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأوفاهما وإن سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى وهي التي جاءت خلفه وهي التي قالت: " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ". قيل:
إن الحكمة في تزويجه الصغرى منه قبل الكبرى وإن كانت الكبرى أحوج إلى الرجال أنه توقع أن يميل إليها، لأنه رآها في رسالته، وماشاها في إقباله إلى أبيها معها، فلو عرض عليه الكبرى ربما أظهر له الاختيار وهو يضمر غيره وقيل غير هذا، والله أعلم. وفي بعض الاخبار أنه تزوج بالكبرى حكاه القشيري.
الثانية - وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه، فإما رسماه، وإلا فهو من أول وقت العقد.
الثالثة - وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهو أمر قد قرره شرعنا، وجري في حديث الذي لم يكن عنده إلا شئ من القرآن، رواه الأئمة، وفي بعض طرقه: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تحفظ من القرآن " فقال: سورة البقرة والتي تليها، قال:
" فعلمها عشرين آية وهي امرأتك ". واختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
فكرهه مالك، ومنعه ابن القاسم، وأجازه ابن حبيب، وهو قول الشافعي وأصحابه، قالوا:
يجوز أن تكون منفعة الحر صداقا كالخياطة والبناء وتعليم القرآن وقال أبو حنيفة: لا يصح، وجوز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة، أو يسكنها داره سنة، لان العبد والدار مال، وليس خدمتها بنفسه مالا وقال أبو الحسن الكرخي: إن عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز، لقوله تعالى: " فآتوهن أجورهن ". وقال أبو بكر الرازي: لا يصح لان الإجارة عقد مؤقت، وعقد النكاح مؤبد، فهما متنافيان وقال ابن القاسم: ينفسخ قبل البناء ويثبت بعده.