ابن عطية: وكان استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب، أو مضطهد، أو من يشفق عليه، أو يأتي بمنكر من الامر، فكأنه بالجملة في شر، فأخبرتاه بخبرهما، وأن أباهما شيخ كبير، فالمعنى: لا يستطيع لضعفه أن يباشر أمر غنمه، وأنهما لضعفهما وقلة طاقتهما لا تقدران على مزاحمة الأقوياء، وأن عادتهما التأني حتى يصدر الناس عن الماء ويخلى، وحينئذ تردان.
وقرأ ابن عامر وأبو عمرو: " يصدر " من صدر، وهو ضد ورد أي يرجع الرعاء. والباقون " يصدر " بضم الياء من أصدر، أي حتى يصدروا مواشيهم من وردهم والرعاء جمع راع، مثل تاجر وتجار، وصاحب وصحاب. قالت فرقة: كانت الآبار مكشوفة، وكان زحم الناس يمنعهما، فلما أراد موسى أن يسقى لهما زحم الناس وغلبهم على الماء حتى سقى، فعن هذا الغلب الذي كان منه وصفته إحداهما بالقوة وقالت فرقة: إنهما كانتا تتبعان فضالتهم في الصهاريج، فإن وجدتا في الحوض بقية كان ذلك سقيهما، وإن لم يكن فيه بقيه عطشت غنمهما، فرق لهما موسى، فعمد إلى بئر كانت مغطاة والناس يسقون من غيرها، وكان حجرها لا يرفعه إلا سبعة، قاله ابن زيد. ابن جريج: عشرة. ابن عباس: ثلاثون. الزجاج: أربعون، فرفعه.
وسقى للمرأتين، فعن رفع الصخرة وصفته بالقوة. وقيل: إن بئرهم كانت واحدة، وإنه رفع عنها الحجر بعد انفصال السقاة، إذ كانت عادة المرأتين شرب الفضلات. روى عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال: لما استقى الرعاة غطوا على البئر صخرة لا يقلعها إلا عشرة رجال، فجاء موسى فاقتلعها واسقي ذنوبا واحدا لم تحتج إلى غيره فسقى لهما.
الثانية - إن قيل كيف ساغ لنبي الله الذي هو شعيب صلى الله عليه وسلم أن يرضى لا بنتيه بسقي الماشية؟ قيل له: ليس ذلك بمحظور والدين لا يأباه، وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك، والعادة متباينة فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو غير مذهب الحضر، خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة.
الثالثة - قوله تعالى: (ثم تولى إلى الظل) إلى ظل سمرة (1)، قاله ابن مسعود.
وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله: (إني لما أنزلت إلي من خير فقير " وكان لم يذق طعاما