قال المهدوي: وأفهم الله تعالى النملة هذا لتكون معجزة لسليمان. وقال وهب: أمر الله تعالى الريح ألا يتكلم أحد بشئ إلا طرحته في سمع سليمان، بسبب أن الشياطين أرادت كيده. وقد قيل: إن هذا الوادي كان ببلاد اليمن وأنها كانت نملة صغيرة مثل النمل المعتاد، قاله الكلبي. وقال نوف الشامي وشقيق بن سلمة: كان نمل ذلك الوادي كهيئة الذئاب في العظم. وقال بريدة الأسلمي: كهيئة النعاج. قال محمد بن علي الترمذي: فإن كان على هذه الخلقة فلها صوت، وإنما افتقد صوت النمل لصغر خلقها، وإلا فالأصوات في الطيور والبهائم كائنة، وذلك منطقهم، وفي تلك المناطق معاني التسبيح وغير ذلك، وهو قوله تعالى:
" وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ".
قلت: وقوله " لا يحطمنكم " يدل على صحة قول الكلبي، إذ لو كانت كهيئة الذئاب والنعاج لما حطمت بالوطئ، والله أعلم. وقال: " ادخلوا مساكنكم " فجاء على خطاب الآدميين لان النمل هاهنا أجرى مجرى الآدميين حين نطق كما ينطق الآدميون. قال أبو إسحاق الثعلبي: ورأيت في بعض الكتب أن سليمان قال لها لم حذرت النمل؟ أخفت ظلمي؟
أما علمت أنى نبي عدل؟ فلم قلت: " يحطمنكم سليمان وجنوده " فقالت النملة: أما سمعت قولي " وهم لا يشعرون " مع أنى لم أرد حطم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت، أو يفتتن بالدنيا، ويشغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر. فقال لها سليمان: عظيني. فقالت النملة: أما علمت لم سمى أبوك داود؟ قال: لا.
قالت: لأنه داوى جراحة فؤاده، هل علمت لم سميت سليمان؟ قال: لا. قالت: لأنك سليم الناحية على ما أوتيته بسلامة صدرك، وإن لك أن تلحق بأبيك (1). ثم قالت: أتدري لم سخر الله لك الريح؟ قال: لا. قالت: أخبرك أن الدنيا كلها ريح. (فتبسم ضاحكا من قولها) متعجبا ثم مضت مسرعة إلى قومها، فقالت: هل عندكم من شئ نهديه إلى