قلت: ولأجل هذا قال العلماء: إن الآية أصل في أن درجة الايمان التي حازها الانسان، ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن (1)، ولبسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع، إذا كان أصله فاسدا أو مجهولا.
التاسعة - قوله تعالى: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) هذا توبيخ لأهل الإفك. و " لولا " بمعنى هلا، أي هلا جاءوا بأربعة شهداء على ما زعموا من الافتراء.
وهذا رد على الحكم الأول، وإحالة على الآية السابقة في آية القذف.
العاشرة - قوله تعالى: (فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) أي هم في حكم الله كاذبون. وقد يعجز الرجل عن إقامة البينة وهو صادق في قذفه، ولكنه في حكم الشرع وظاهر الامر كاذب لا في علم الله تعالى، وهو سبحانه إنما رتب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا لا على مقتضى علمه الذي تعلق بالانسان على ما هو عليه، فإنما يبنى على ذلك حكم الآخرة.
قلت: ومما يقوى هذا المعنى ويعضده ما خرجه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس إن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الان بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شئ الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة. وأجمع العلماء أن أحكام الدنيا على الظاهر، وأن السرائر إلى الله عز وجل.
الحادية عشرة - قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته (2)) " فضل " رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر محذوف لا تظهره العرب. وحذف جواب " لولا " لأنه قد ذكر مثله بعد، قال الله عز وجل " ولولا فضل الله عليكم ورحمته " لمسكم " أي بسبب ما قلتم في عائشة عذاب عظيم في الدنيا والآخرة. وهذا عتاب من الله تعالى بليغ، ولكنه برحمته ستر عليكم في الدنيا ويرحم في الآخرة من أتاه تائبا والإفاضة: الاخذ في الحديث، وهو الذي وقع عليه العتاب، يقال: أفاض القوم في الحديث أي أخذوا فيه.