قوله تعالى: (ويوم نحشرهم (1) نصب على الفعل المحذوف، أي ويوم نحشرهم نقول.
(جميعا) نصب على الحال. والمراد حشر جميع الخلق في موقف القيامة. (يا معشر الجن) نداء مضاف. (قد استكثرتم من الإنس) أي من الاستمتاع بالإنس، فحذف المصدر المضاف إلى المفعول، وحرف الجر، يدل على ذلك قوله: (ربنا استمتع بعضا ببعض) وهذا يرد قول من قال: إن الجن هم الذين استمتعوا من الإنس، لأن الإنس قبلوا منهم. والصحيح أن كل واحد مستمتع بصاحبه. والتقدير في العربية: استمتع بعضنا بعضا، فاستمتاع الجن من الإنس إنهم تلذذوا بطاعة الإنس إياهم، وتلذذ الإنس بقبولهم من الجن حتى زنوا وشربوا الخمور بإغواء الجن إياهم. وقيل: كان الرجل إذا مر بواد في سفره وخاف على نفسه قال: أعوذ برب (2) هذا الوادي من جميع ما أحذر. وفي التنزيل: " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا (3) ". فهذا استمتاع الإنس بالجن. وأما استمتاع الجن بالإنس فما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والكهانة والسحر. وقيل: استمتاع الجن بالإنس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يحذرون. ومعنى الآية تقريع الضالين والمضلين وتوبيخهم في الآخرة على أعين العالمين. (وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) يعني الموت والقبر، ووافينا نادمين. (قال النار مثواكم) أي موضع مقامكم. والمثوى المقام. (خالدين فيها إلا ما شاء الله) استثناء ليس من الأول. قال الزجاج: يرجع إلى يوم القيامة، أي خالدين في النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدتهم في الحساب، فالاستثناء قطع. وقيل: يرجع الاستثناء إلى النار، أي إلا ما شاء الله من تعذيبكم بغير النار في بعض الأوقات. وقال ابن عباس: الاستثناء لأهل الإيمان. ف " ما " على هذا بمعنى من. وعنه أيضا أنه قال:
هذه الآية توجب الوقف في جميع الكفار. ومعنى ذلك أنها توجب الوقف فيمن لم يمت، إذ قد يسلم. وقيل: " إلا ما شاء الله " من كونهم في الدنيا بغير عذاب. ومعنى هذه الآية معنى الآية التي في " هود ". قول: " فأما الذين شقوا ففي النار " وهناك يأتي مستوفى إن شاء (4) الله.
إن ربك حكيم أي في عقوبتهم وفي جميع أفعال عليم بمقدار مجازاتهم.