تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٧٣
قوله تعالى: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمهتدين (119) قوله تعالى: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه): المعنى ما المانع لمن أكل ما سميتم عليه ربكم وإن قتلتموه بأيديكم. (وقد فصل) أي بين لكم الحلال من الحرام، وأزيل عنكم اللبس والشك. ف‍ " ما " استفهام يتضمن التقرير. وتقدير الكلام: وأي شئ لكم في ألا تأكلوا. " فأن " في موضع خفض بتقدير حرف الجر. ويصح أن تكون في موضع نصب على ألا يقدر حرف جر، ويكون الناصب معنى الفعل الذي في قوله " ما لكم " تقديره أي ما يمنعكم. ثم استثنى فقال (إلا ما اضطررتم إليه) يريد من جميع ما حرم كالميتة وغيرها كما تقدم في (1) البقرة. وهو استثناء منقطع. وقرأ نافع ويعقوب " وقد فصل لكم ما حرم " بفتح الفعلين. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالضم فيهما، والكوفيون " فصل " بالفتح " حرم " بالضم. وقرأ عطية العوفي " فصل " بالتخفيف. ومعناه أبان وظهر، كما قرئ " الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت (2) " أي استبانت. واختار أبو عبيدة قراءة أهل المدينة.
وقيل: " فصل " أي بين، وهو ما ذكره في سورة " المائدة " من قوله: " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير (3) " الآية.
قلت: هذا فيه نظر، فإن " الأنعام " مكية والمائدة مدنية فكيف يحيل بالبيان على ما لم ينزل بعد، إلا أن يكون فصل بمعنى يفصل. والله أعلم.
قوله تعالى: (وإن كثيرا ليضلون (4) وقرأ الكوفيون " يضلون " من أضل (بأهوائهم بغير) علم يعني المشركين حيث قالوا: ما ذبح الله بسكينة خير مما ذبحتم بسكاكينكم " بغير علم " أي بغير علم يعلمونه في أمر الذبح، إذ الحكمة فيه إخراج ما حرمه الله علينا من الدم بخلاف ما مات حتف أنفه، ولذلك شرع الذكاة في محل مخصوص ليكون الذبح فيه سببا لجذب كل دم في الحيوان بخلاف غيره من الأعضاء والله أعلم.

(1) راجع ج 2 ص 224.
(2) راجع ج 9 ص 2.
(3) راجع ج 6 ص 47.
(4) قراءة نافع.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»