تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٨٧
وعدونا إبليس عدو لهم، يعادي مؤمنهم ويوالي كافرهم. وفيهم أهواء: شيعة وقدرية ومرجئة يتلون كتابنا. وقد وصف الله عنهم في سورة " الجن " من قوله: " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ". " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا (1) " على ما يأتي بيانه هناك. " يقصون " في موضع رفع نعت لرسل. (قالوا شهدنا على أنفسنا) أي شهدنا أنهم بلغوا. (وغرتهم الحياة الدنيا) قيل: هذا خطاب من الله للمؤمنين، أي أن هؤلاء قد غرتهم الحياة الدنيا، أي خدعتهم وظنوا أنها تدوم، وخافوا زوالها عنهم إن آمنوا. (وشهدوا على أنفسهم) أي اعترفوا بكفرهم. قال مقاتل: هذا حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك وبما كانوا يعملون (2).
قوله تعالى: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غفلون (131) قوله تعالى: " ذلك " في موضع رفع عند سيبويه، أي الأمر ذلك. و " أن " مخففة من الثقيلة، أي إنما فعلنا هذا بهم لأني لم أكن أهلك القرى بظلمهم، أي بشركهم قبل إرسال الرسل إليهم فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير. وقيل: لم أكن أهلك القرى بشرك من أشرك منهم، فهو مثل " ولا تزر وازرة وزر أخرى (3) ". ولو أهلكهم قبل بعثة الرسل فله أن يفعل ما يريد. وقد قال عيسى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك (4) " وأجاز الفراء أن يكون " ذلك " في موضع نصب، المعنى: فعل ذلك بهم، لأنه لم يكن يهلك القرى بظلم.
قوله تعالى: ولكل درجت مما عملوا وما ربك بغافل عما يعلمون (132) قوله تعالى: (ولكل درجت مما عملوا) أي من الجن والإنس، كما قال في أية أخرى: " أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين " ثم قال: " ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ". وفي هذا ما يدل على أن المطيع من الجن في الجنة، والعاصي منهم في النار، كالإنس سواء. وهو أصح

(1) راجع ج 19 ص 14.
(2) من ك.
(3) راجع ج 7 ص 157.
(4) راجع ج 6 ص 377.
(5) راجع ج 16 ص 196.
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»