تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٧٦
الخامس: قال أشهب: تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمدا إلا أن يكون مستخفا، وقال نحوه الطبري. (أدلة (1) قال الله تعالى: " فكلوا مما ذكر اسم الله عليه " وقال:
" ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " فبين الحالين وأوضح الحكمين. فقول: " لا تأكلوا " نهي على التحريم لا يجوز حمله على الكراهة، لتناول في بعض مقتضياته الحرام المحض، ولا يجوز أن يتبعض، أي يراد به التحريم والكراهة معا، وهذا من نفيس الأصول. وأما الناسي فلا خطاب توجه إليه إذ يستحيل خطابه، فالشرط ليس بواجب عليه. وأما التارك للتسمية عمدا فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يتركها إذا أضجع الذبيحة ويقول: قلبي مملوء من أسماء الله تعالى وتوحيده فلا أفتقر إلى ذكر بلساني، فذلك يجزئه لأنه ذكر الله جل جلاله وعظمه. أو يقول: إن هذا ليس بموضع تسمية صريحة، إذ ليست بقربة، فهذا أيضا يجزئه. أو يقول: لا أسمي، وأي قدر للتسمية، فهذا متهاون فاسق لا تؤكل ذبيحته.
قال ابن العربي: وأعجب لرأس المحققين أمام الحرمين حيث قال: ذكر الله تعالى إنما شرع في القرب، والذبح ليس بقربة. وهذا يعارض القرآن والسنة، قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل). فإن قيل: المراد بذكر اسم الله بالقلب، لأن الذكر يضاد النسيان ومحل النسيان القلب فمحل الذكر القلب، وقد روى البراء بن عازب: اسم الله على قلب كل مؤمن سمى أو لم يسم. قلنا: الذكر باللسان وبالقلب، والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنصب باللسان، فنسخ الله ذلك بذكره في الألسنة، واشتهر ذلك في الشريعة حتى قيل لمالك: هل يسمي الله تعالى إذا توضأ فقال: أيريد أن يذبح. وأما الحديث الذي تعلقوا به من قوله: (اسم الله على قلب كل مؤمن) فحديث ضعيف. وقد استدل جماعة من أهل العلم على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة، لقوله عليه السلام لأناس سألوه، قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سموا الله عليه وكلوا ". أخرجه الدارقطني عن عائشة ومالك مرسلا عن هشام بن عروة عن أبيه، لم يختلف عليه في إرساله.

(1) من ب وج‍ وك وع وى.
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»