تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ١٦٣
الهلاك. واقع ببعض القوم، فيكون التقدير: وكم من قرية أهلكنا بعضها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع. وقيل: المعنى وكم من قرية أهلكناها في حكمنا فجاءها بأسنا. وقيل: أهلكناها بإرسالنا ملائكة العذاب إليها، فجاءها بأسنا وهو الاستئصال. والبأس، العذاب الآتي على النفس. وقيل: المعنى أهلكناها فكان إهلاكنا إياهم في وقت كذا، فمجئ البأس على هذا هو الإهلاك. وقيل: البأس غير الإهلاك، كما ذكرنا. وحكى الفراء أيضا أنه إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت، فيكون المعنى وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها، مثل دنا فقرب، وقرب فدنا، وشتمني فأساء، وأساء فشتمني، لأن الإساءة والشتم شئ واحد. وكذلك قوله: " اقتربت الساعة وانشق القمر (1) ". المعنى - والله أعلم - انشق القمر فاقتربت الساعة. والمعنى واحد. " بياتا " أي ليلا، ومنه البيت، لأنه يبات فيه.
يقال: بات يبيت بيتا وبياتا. أوهم قائلون أي " أو هم قائلون " أي أو وهم قائلون، فاستثقلوا فحذفوا الواو، قاله الفراء. وقال الزجاج: هذا خطأ، إذا عاد الذكر استغني عن الواو، تقول:
جاءني زيد راكبا أو هو ماش، ولا يحتاج إلى الواو. قال المهدوي: ولم يقل بياتا أو وهم قائلون لأن في الجملة ضميرا يرجع إلى الأول فاستغني عن الواو. وهو معنى قول الزجاج سواء، وليس أو للشك بل للتفصيل، كقولك: لأكرمنك منصفا لي أو ظالما. وهذه الواو تسمى عند النحويين واو الوقت. و " قائلون " من القائلة وهي القيلولة، وهي نوم نصف النهار وقيل: الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن معها نوم. والمعنى جاءهم عذابنا وهم غافلون إما ليلا وإما نهارا. والدعوى الدعاء، ومنه قول: " وآخر دعواهم (2) ".
وحكى النحويون: اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك. وقد تكون الدعوى بمعنى الادعاء.
والمعنى: أنهم لم يخلصوا عند الإهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين. " دعواهم " في موضع نصب خبر كان، واسمها " إلا أن قالوا ". نظيره (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا (3)

(1) راجع ج 17 ص 125.
(2) راجع ج 8 ص 313.
(3) راجع ج 13 ص 219.
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»