تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٤٣
والعبادات والرياضات من باب الشرائع والأخلاق والآداب وسائر الأعمال الصالحات حتى يعود الحرث ناضرا بالغا إلى حد الكمال، لترد الغنم إلى أصحابها عند حصول الكمال، فتصير محفوظة مرعية مسوسة مهذبة في الأعمال البهيمية بفضيلة العفة، ويرد الحرث إلى أربابه من الروح وقواه يانعا مثمرا بالعلوم والحكم، متزينا بأزهار المعارف والحقائق وأنوار التجليات والمشاهدات.
تفسير سورة الأنبياء من [آية 79 - 82] ولهذا قال: * (ففهمناها سليمان) * فإن العمل بالتقوى والرياضة على وفق الشرع والحكمة العملية أبلغ في تحصيل الكمال وإبرازه إلى الفعل من العلم الكلي والفكر والنظر والذوق والكشف * (وكلا آتيناه حكما وعلما) * إذ كل منهما على الصواب في رأيه والحكمة النظرية والعملية والمكاشفة والمعاملة كلتاهما متعاضدتان في طلب الكمال، متوافقتان في تحصيل كرم الخصال بهما.
* (وسخرنا مع داود) * الفؤاد، جبال الأعضاء * (يسبحن) * بألسنة خواصها التي أمرن بها ويسرن معه بسيرتها المخصوصة بها فلا تعصي ولا تمتنع عليه، فتكل وتثقل وتأبى أمره، بل تسير معه مأمورة بأمره، منقادة مطواعة لتأدبها وارتياضها وتعودها بأمره، وتمرنها في الطاعات والعبادات، وطير القوى الروحانية يسبحن بالأذكار والأفكار والطيران في فضاء أرواح الأنوار * (وكنا) * قادرين على ذلك التسخير.
* (وعلمناه صنعة لبوس لكم) * من الورع والتقوى ونعم الدرع الحصين الورع * (لتحصنكم من) * بأس القوى الغضبية السبعية واستيلاء الحرص والدواعي الطبيعة والقوى الوهمية الشيطانية * (فهل أنتم شاكرون) * حق هذه النعمة بالتوجه إلى الحضرة الربانية بالكلية.
* (ولسليمان) * أي: سخرنا لسليمان العقل العملي المتمكن على عرش النفس في الصدر ريح الهوى * (عاصفة) * في هبوبها * (تجري بأمره) * مطيعة له إلى أرض البدن المتدرب بالطاعة والأدب * (التي باركنا فيها) * بتثمير الأخلاق والملكات الفاضلة والأعمال الصالحة * (وكنا بكل شيء) * من أسباب الكمال * (عالمين) *.
* (ومن) * شياطين الوهم والتخيل * (من يغوصون له) * في بحر الهيولي الجسمانية يستخرجون درر المعاني الجزئية * (ويعملون عملا دون ذلك) * من التركيب والتفصيل
(٤٣)
مفاتيح البحث: سورة الأنبياء (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»