وهو مبني على أمرين: أحدهما: المبدأ، والثاني: الكمال. فالمبدأ هو قوله تعالى: * (وقالوا سمعنا وأطعنا) * (البقرة: 93) لأن هذا المعنى لا بد منه لمن يريد الذهاب إلى الله، وأما الكمال فهو التوكل على الله والالتجاء بالكلية إليه وهو قوله: * (غفرانك ربنا) * وهو قطع النظر عن الأعمال البشرية والطاعات الإنسانية والالتجاء بالكلية إلى الله تعالى وطلب الرحمة منه وطلب المغفرة، ثم إذا تمت معرفة الربوبية بسبب معرفة الأصول الأربعة المذكورة وتمت معرفة العبودية بسبب معرفة هذين الأصلين المذكورين لم يبق بعد ذلك إلا الذهاب إلى حضرة الملك الوهاب والاستعداد للذهاب إلى المعاد، وهو المراد من قوله: * (وإليك المصير) * ويظهر من هذا أن المراتب ثلاثة: المبدأ والوسط، والمعاد، أما المبدأ فإنما يكمل معرفته بمعرفة أمور أربعة: وهي معرفة الله، والملائكة، والكتب، والرسل، وأما الوسط فإنما يكمل معرفته بمعرفة أمرين: " سمعنا وأطعنا " نصيب عالم الأجساد، و " غفرانك ربنا " نصيب عالم الأرواح، وأما النهاية فهي إنما تتم بأمر واحد، وهو قوله: * (وإليك المصير) * (البقرة: 285) فابتداء الأمر أربعة، وفي الوسط صار اثنين، وفي النهاية صار واحدا. ولما ثبتت هذه المراتب السبع في المعرفة تفرع عنها سبع مراتب في الدعاء والتضرع: - فأولها: قوله: * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * (البقرة: 286) وضد النسيان هو الذكر كما قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) * (الأحزاب: 41) وقوله: * (واذكر ربك إذا نسيت) * (الكهف: 24) وقوله: * (تذكروا فإذا هم مبصرون) * (الأعراف: 21) وقوله: * (واذكر اسم ربك) * وهذا الذكر إنما يحصل بقوله بسم الله الرحمن الرحيم.
وثانيها: قوله: * (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) * ودفع الأصر - والأصر هو الثقل - يوجب الحمد، وذلك إنما يحصل بقوله الحمد لله رب العالمين.
وثالثها: قوله: * (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * وذلك إشارة إلى كمال رحمته، وذلك هو قوله الرحمن الرحيم.
ورابعها: قوله: * (وأعف عنا) * لأنك أنت المالك للقضاء والحكومة في يوم الدين، وهو قوله مالك يوم الدين.
وخامسها: قوله تعالى: * (واغفر لنا) * لأنا في الدنيا عبدناك واستعنا بك في كل المهمات، وهو قوله إياك نعبد وإياك نستعين.
وسادسها: قوله: * (وارحمنا) * لأنا طلبنا الهداية منك في قولنا: اهدنا الصراط المستقيم.