عنه آفة الغضب بولديها، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم اندفع عنه شيطان الهوى، وإذا قال صراط الذين أنعمت عليهم زال عنه كفره وشبهته، وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين اندفعت عنه بدعته، فثبت أن هذه الآيات السبع دافعة لتلك الأخلاق القبيحة السبعة. الفصل الثالث في تقرير أن سورة الفاتحة جامعة لكل ما يحتاج الإنسان إليه في معرفة المبدأ والوسط والمعاد جمع الفاتحة لكل ما يحتاج إليه:
اعلم أن قوله الحمد لله إشارة إلى إثبات الصانع المختار، وتقريره: أن المعتمد في إثبات الصانع في القرآن هو الاستدلال بخلقة الإنسان على ذلك، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال: * (ربي الذي يحيي ويميت) * (البقرة: 258)، وقال في موضع آخر: * (الذي خلقني فهو يهدين) * (الشعراء: 78)، وقال موسى عليه السلام: * (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) * (طه: 51)، وقال في موضع آخر: * (ربكم ورب آبائكم الأولين) * (الشعراء: 26)، وقال تعالى في أول سورة البقرة: * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) * (البقرة: 21) وقال في أول ما أنزله على محمد عليه السلام: * (إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق) * (العلق: 1، 2) فهذه الآيات الست تدل على أنه تعالى استدل بخلق الإنسان على وجود الصانع تعالى، وإذا تأملت في القرآن وجدت هذا النوع من الاستدلال فيه كثيرا جدا.
واعلم أن هذا الدليل كما أنه في نفسه هو دليل فكذلك هو نفسه إنعام عظيم، فهذه الحالة من حيث إنها تعرف العبد وجود الإله دليل، ومن حيث أنها نفع عظيم وصل من الله إلى العبد إنعام، فلا جرم هو دليل من وجه، وإنعام من وجه، والإنعام متى وقع بقصد الفاعل إلى إيقاعه إنعاما كان يستحق هو الحمد، وحدوث بدن الإنسان أيضا كذلك، وذلك لأن تولد الأعضاء المختلفة الطبائع والصور والإشكال من النطفة المتشابهة الأجزاء لا يمكن إلا إذا قصد الخالق إيجاد تلك الأعضاء على تلك الصور والطبائع، فحدوث هذه الأعضاء المختلفة يدل على وجود صانع عالم بالمعلومات قادر على كل المقدورات قصد بحكم رحمته وإحسانه خلق هذه الأعضاء على الوجه المطابق لمصالحنا الموافق لمنافعنا، ومتى كان الأمر كذلك كان مستحقا للحمد والثناء، فقوله: * (الحمد لله) * يدل على وجود الصانع، وعلى علمه، وقدرته، ورحمته، وكمال حكمته وعلى كونه مستحقا للحمد والثناء والتعظيم، فكان قوله الحمد لله دالا على جملة هذه المعاني، وأما قوله: * (رب العالمين) * فهو يدل على أن ذلك الإله واحد، وأن كل العالمين ملكه وملكه،