تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٥٤
الأول: كأن المصلى يقول: شرعت في العبادة فاستعين بك في اتمامها، فلا تمنعني اتمامها بالموت ولا بالمرض ولا بقلب الدواعي وتغيرها. الثاني: كأن الانسان يقول: يا إلهي إني أتيت بنفسي إلا أن لي قلبا يفر منى، فأستعين بك في احضاره، وكيف وقد قال عليه الصلاة والسلام: قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، فدل ذلك على أن الانسان لا يمكنه إحضار القلب إلا بإعانة الله. الثالث: لا أريد الإعانة غيرك لا جبريل ولا مكائيل، بل أريدك وحدك وأقتدي في هذا المذهب بالخليل عليه السلام لأنه لما قيد نمروذ رجليه ويديه ورماه في النار جاء جبريل عليه السلام وقال له: هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال: سله، فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، بل ربما أزيد على الخليل في هذا الباب، وذلك لأنه قيد رجلاه ويداه لا غير، وأما أنا فقيدت رجلي فلا أسير ويدي فلا أحركهما، وعيني فلا أنظر بهما، وأذني فلا أسمع بهما، ولساني فلا أتكلم به، وكان الخليل مشرفا على نار نمروذ وأنا مشرف على نار جهنم، فكما لم يرض الخليل عليه السلام بغيرك معينا فكذلك لا أريد معينا غيرك، فإياك نعبد وإياك نستعين، فكأنه تعالى يقول: أتيت بفعل الخليل وزدت عليه، فنحن نزيد أيضا في الجزاء لأنا ثمت قلنا: (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) وأما أنت فقد نجيناك من النار، وأوصلناك إلى الجنة، وزدناك سماع الكلام القديم، ورؤية الموجود القديم، وكما أنا قلنا لنار نمروذ (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) فكذلك تقول لك نار جهنم: جز يا مؤمن من قد أطفأ نورك لهبي. الرابع: إياك نستعين:
أي: لا أستعين بغيرك، وذلك لان ذلك الغير لا يمكنه إعانتي إلا إذا أعنته على تلك الإعانة، فإذا كانت إعانة الغير لا تتم إلا بإعانتك فلنقطع هذه الواسطة ولنقتصر على اعانتك، الوجه الخامس: قوله إياك نعبد يقتضى حصول رتبة عظيمة للنفس بعبادة الله تعالى، وذلك يورث العجب فأردف بقوله وإياك نستعين ليدل ذلك على أن تلك الرتبة الحاصلة بسبب العبادة ما حصلت من قوة العبد، بل إنما حصلت بإعانة الله فالمقصود من ذكر قوله وإياك نستعين إزالة العجب وافناء تلك النخوة والكبر.
الفصل السابع في قوله اهدنا الصراط المستقيم، وفيه فوائد الفائدة الأولى: لقائل أن يقول: المصلى لا بد وأن يكون مؤمنا، وكل مؤمن مهتد، فالمصلى مهتد، فإذا قال: اهدنا كان جاريا مجرى أن من حصلت له الهداية فإنه يطلب الهداية فكان هذا طلبا لتحصيل الحاصل، وأنه محال، والعلماء أجابوا عنه من وجوه:
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»