تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٦١
الحكم الثاني: يجب أن لا يبقى المؤمن مخلدا في النار، لأن قوله: * (أنعمت عليهم) * مذكور في معرض التعظيم لهذا الإنعام، ولو لم يكن له أثر في دفع العقاب المؤبد لكان قليل الفائدة فما كان يحسن من الله تعالى ذكره في معرض التعظيم.
الحكم الثالث: دلت الآية على أنه لا يجب على الله رعاية الصلاح والأصلح في الدين، لأنه لو كان الإرشاد واجبا على الله لم يكن ذلك إنعاما؛ لأن أداء الواجب لا يكون إنعاما، وحيث سماه الله تعالى إنعاما علمنا أنه غير واجب.
الحكم الرابع: لا يجوز أن يكون المراد بالإنعام هو أن الله تعالى أقدر المكلف عليه وأرشده إليه وأزاح أعذاره وعلله عنه؛ لأن كل ذلك حاصل في حق الكفار، فلما خص الله تعالى بعض المكلفين بهذا الإنعام مع أن هذا الأقدار وإزاحة العلل عام في حق الكل علمنا أن المراد من الأنعام ليس هو الأقدار عليه وإزاحة الموانع عنه. الفصل التاسع في قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وفيه فوائد معنى قوله: * (غير المغضوب عليهم) * - الخ:
الفائدة الأولى: المشهور أن المغضوب عليهم هم اليهود، لقوله تعالى: * (من لعنه الله وغضب عليه) * (المائدة: 60) والضالين: هم النصارى لقوله تعالى: * (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) * (المائدة: 77) وقيل: هذا ضعيف؛ لأن منكري الصانع والمشركين أخبث دينا من اليهود والنصارى، فكان الاحتراز عن دينهم أولى، بل الأولى أن يحمل المغضوب عليهم على كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة وهم الفساق، ويحمل الضالون على كل من أخطأ في الاعتقاد لأن اللفظ عام والتقييد خلاف الأصل، ويحتمل أن يقال: المغضوب عليهم هم الكفار، والضالون هم المنافقون، وذلك لأنه تعالى بدأ بذكر المؤمنين والثناء عليهم في خمس آيات من أول البقرة، ثم أتبعه بذكر الكفار وهو قوله: * (إن الذين كفروا) * (البقرة: 6) ثم أتبعه بذكر المنافقين وهو قوله: * (ومن الناس من يقول آمنا) * (البقرة: 8) فكذا ههنا بدأ بذكر المؤمنين وهو قوله: * (أنعمت عليهم) * ثم أتبعه بذكر الكفار وهو قوله: * (غير المغضوب عليهم) * ثم أتبعه بذكر المنافقين وهو قوله: * (ولا الضالين) *.
الفائدة الثانية: لما حكم الله عليهم بكونهم ضالين امتنع كونهم مؤمنين، وإلا لزم انقلاب خبر الله الصدق كذبا، وذلك محال، والمفضي إلى المحال محال.
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»