الفائدة الثالثة: قوله: * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * يدل على أن أحدا من الملائكة والأنبياء عليهم السلام ما أقدم على عمل يخالف قول الذين أنعم الله عليهم، ولا على اعتقاد الذين أنعم الله عليهم، لأنه لو صدر عنه ذلك لكان قد ضل عن الحق، لقوله تعالى: * (فماذا بعد الحق إلا الضلال) * (يونس: 32) ولو كانوا ضالين لما جاز الاقتداء بهم، ولا الاهتداء بطريقهم، ولكانوا خارجين عن قوله: * (أنعمت عليهم) * ولما كان ذلك باطلا علمنا بهذه الآية عصمة الأنبياء والملائكة عليهم السلام.
الفائدة الرابعة: الغضب: تغير يحصل عند غليان دم القلب لشهوة الانتقام، واعلم أن هذا على الله تعالى محال، لكن ههنا قاعدة كلية، وهي أن جميع الأعراض النفسانية - أعني الرحمة، والفرح، والسرور، والغضب، والحياء، والغيرة، والمكر والخداع، والتكبر، والاستهزاء - لها أوائل، ولها غايات، ومثاله الغضب فإن أوله غليان دم القلب، وغايته إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه، فلفظ الغضب في حق الله تعالى لا يحمل على أوله الذي هو غليان دم القلب، بل على غايته الذي هو إرادة الأضرار، وأيضا، الحياء له أول وهو انكسار يحصل في النفس، وله غرض وهو ترك الفعل، فلفظ الحياء في حق الله يحمل على ترك الفعل لا على انكسار النفس، وهذه قاعدة شريفة في هذا الباب.
الفائدة الخامسة: قالت المعتزلة: غضب الله عليهم يدل على كونهم فاعلين للقبائح باختيارهم وإلا لكان الغضب عليهم ظلما من الله تعالى، وقال أصحابنا: لما ذكر غضب الله عليهم وأتبعه بذكر كونهم ضالين دل ذلك على أن غضب الله عليهم علة لكونهم ضالين، وحينئذ تكون صفة الله مؤثرة في صفة العبد، أما لو قلنا إن كونهم ضالين يوجب غضب الله عليهم لزم أن تكون صفة العبد مؤثرة في صفة الله تعالى، وذلك محال.
الفائدة السادسة: أول السورة مشتمل على الحمد لله والثناء عليه والمدح له، وآخرها مشتمل على الذم للمعرضين عن الإيمان به والإقرار بطاعته، وذلك يدل على أن مطلع الخيرات وعنوان السعادات هو الإقبال على الله تعالى، ومطلع الآفات ورأس المخافات هو الأعراض عن الله تعالى والبعد عن طاعته والاجتناب عن خدمته.
الفائدة السابعة: دلت هذه الآية على أن المكلفين ثلاث فرق: أهل الطاعة، وإليهم الإشارة بقوله: أنعمت عليهم، وأهل المعصية وإليهم الإشارة بقوله غير المغضوب عليهم، وأهل الجهل في دين الله والكفر وإليهم الإشارة بقوله ولا الضالين.