تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٦٤
القسم الثاني الكلام في تفسير مجموع هذه السورة، وفيه فصول الفصل الأول في الأسرار العقلية المستنبطة من هذه السورة اعلم أن عالم الدنيا عالم الكدورة، وعالم الآخرة عالم الصفاء، فالآخرة بالنسبة إلى الدنيا كالأصل بالنسبة إلى الفرع، وكالجسم بالنسبة إلى الظل، فكل ما في الدنيا فلا بد له في الآخرة من أصل، وإلا كان كالسراب الباطل والخيال العاطل، وكل ما في الآخرة فلا بد له في الدنيا من مثال، وإلا لكان كالشجرة بلا ثمرة ومدلول بلا دليل، فعالم الروحانيات عالم الأضواء والأنوار والبهجة والسرور واللذة والحبور، ولا شك أن الروحانيات مختلفة بالكمال والنقصان ولا بد وأن يكون منها واحد هو أشرفها وأعلاها وأكملها وأبهاها، ويكون ما سواه في طاعته وتحت أمره ونهيه، كما قال: * (ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) * (التكوين: 20) وأيضا فلا بد في الدنيا من شخص واحد هو أشرف أشخاص هذا العالم وأكملها وأعلاها وأبهاها، ويكون كل ما سواه في هذا العالم تحت طاعته وأمره، فالمطاع الأول هو المطاع في عالم الروحانيات والمطاع الثاني هو المطاع في عالم الجسمانيات، فذاك مطاع العالم الأعلى، وهذا مطاع العالم الأسفل ولما ذكرنا أن عالم الجسمانيات كالظل لعالم الروحانيات وكالأثر وجب أن يكون بين هذين المطاعين ملاقاة ومقارنة ومجانسة، فالمطاع في عالم الأرواح هو المصدر، والمطاع في عالم الأجسام هو المظهر والمصدر هو الرسول الملكي، والمظهر هو الرسول البشري، وبهما يتم أمر السعادات في الآخرة وفي الدنيا.
وإذا عرفت هذا فنقول: كمال حال الرسول البشري إنما يظهر في الدعوة إلى الله، وهذه الدعوة إنما تتم بأمور سبعة ذكرها الله تعالى في خاتمة سورة البقرة وهي قوله: * (والمؤمنون كل آمن بالله) * - الآية ويندرج في أحكام الرسل قوله: * (لا نفرق بين أحد من رسله) * (البقرة: 285) فهذه الأربعة متعلقة بمعرفة المبدأ، وهي معرفة الربوبية، ثم ذكر بعدها ما يتعلق بمعرفة العبودية
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»