تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٦٧
من هذا؟ فقال إبليس: لو كنت إلها لما جهلتني، فلما دخل قال فرعون: أتعرف في الأرض شرا مني ومنك، قال: نعم، الحاسد، وبالحسد وقعت في هذه المحنة.
إذا عرفت هذا فنقول: أصول الأخلاق القبيحة هي تلك الثلاثة، والأولاد والنتائج هي هذه السبعة المذكورة فأنزل الله تعالى سورة الفاتحة وهي سبع آيات لحسم هذه الآفات السبع وأيضا أصل سورة الفاتحة هو التسمية، وفيها الأسماء الثلاثة، وهي في مقابلة تلك الأخلاق الأصلية الفاسدة، فالأسماء الثلاثة الأصلية في مقابلة الأخلاق الثلاثة الأصلية، والآيات السبع (التي هي الفاتحة) في مقابلة الأخلاق السبعة، ثم إن جملة القرآن كالنتائج والشعب من الفاتحة، وكذا جميع الأخلاق الذميمة كالنتائج والشعب من تلك السبعة، فلا جرم القرآن كله كالعلاج لجميع الأخلاق الذميمة.
أما بيان أن الأمهات الثلاثة في مقابلة الأمهات الثلاثة فنقول: إن من عرف الله وعرف أنه لا إله إلا الله تباعد عنه الشيطان والهوى؛ لأن الهوى إله سوى الله يعبد، بدليل قوله تعالى: * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * (الجاثية: 23) وقال تعالى لموسى: يا موسى، خالف هواك فإني ما خلقت خلقا نازعني في ملكي إلا الهوى، ومن عرف أنه رحمن لا يغضب، لأن منشأ الغضب طلب الولاية، والولاية للرحمن لقوله تعالى: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) * (الفرقان: 26) ومن عرف أنه رحيم وجب أنه يتشبه به في كونه رحيما وإذا صار رحيما لم يظلم نفسه، ولم يلطخها بالأفعال البهيمية.
وأما الأولاد السبعة فهي مقابلة الآيات السبع، وقبل أن نخوض في بيان تلك المعارضة نذكر دقيقة أخرى، وهي أنه تعالى ذكر أن تلك الأسماء الثلاثة المذكورة في التسمية في نفس السورة، وذكر معها اسمين آخرين: وهما الرب، والمالك؛ فالرب قريب من الرحيم، لقوله: * (سلام قولا من رب رحيم) * (يس: 58) والمالك قريب من الرحمن، لقوله تعالى: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) * فحصلت هذه الأسماء الثلاثة: الرب والملك، والإله، فلهذا السبب ختم الله آخر سورة القرآن عليها، والتقدير كأنه قيل: إن أتاك الشيطان من قبل الشهوة فقل: * (أعوذ برب الناس) * وإن أتاك من قبل الغضب فقل: * (ملك الناس) * وإن أتاك من قبل الهوى فقل: * (إله الناس) * (الناس: 1 - 3).
ولنرجع إلى بيان معارضة تلك السبعة فنقول: من قال الحمد لله فقد شكر الله، واكتفى بالحاصل، فزالت شهوته، ومن عرف أنه رب العالمين زال حرصه فيما لم يجد، وبخله فيما وجد فاندفعت عنه آفة الشهوة ولذاتها، ومن عرف أنه مالك يوم الدين بعد أن عرف أنه الرحمن الرحيم زال غضبه، ومن قال إياك نعبد وإياك نستعين زال كبره بالأول وعجبه بالثاني، فاندفعت
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»