تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٦٠
وأما الذين قالوا إن لله على الكافر نعما كثيرة فقد احتجوا بآيات: إحداها: قوله تعالى: * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء) * (البقرة: 21، 22) فنبه على أنه يجب على الكل طاعة الله لمكان هذه النعم العظيمة. وثانيها: قوله: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) * (البقرة: 28) ذكر ذلك في معرض الامتنان وشرح النعم. وثالثها: قوله تعالى: * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) *. (الأعراف: 17) ورابعها: قوله تعالى: * (وقليل من عبادي الشكور) * (سبأ: 13) وقول إبليس: * (ولا تجد أكثرهم شاكرين) * ولو لم تحصل النعم لم يلزم الشكر. ولم يلزم من عدم إقدامهم على الشكر محذور؛ لأن الشكر لا يمكن إلا عند حصول النعمة.
الفائدة الثانية: قوله: * (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) * يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه؛ لأنا ذكرنا أن تقدير الآية: إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم والله تعالى قد بين في آية أخرى أن الذين أنعم الله عليهم من هم فقال: * (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) * (النساء: 69)؛ الآية ولا شك أن رأس الصديقين ورئيسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فكان معنى الآية أن الله أمرنا أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر الصديق وسائر الصديقين، ولو كان أبو بكر ظالما لما جاز الاقتداء به، فثبت بما ذكرناه دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر رضي الله عنه.
الفائدة الثالثة: قوله: * (أنعمت عليهم) * يتناول كل من كان لله عليه نعمة، وهذه النعمة إما أن يكون المراد منها نعمة الدنيا أو نعمة الدين، ولما بطل الأول ثبت أن المراد منه نعمة الدين، فنقول: كل نعمة دينية سوى الإيمان فهي مشروطة بحصول الإيمان، وأما النعمة التي هي الإيمان فيمكن حصولها خاليا عن سائر النعم الدينية، وهذا يدل على أن المراد من قوله: * (أنعمت عليهم) * هو نعمة الإيمان، فرجع حاصل القول في قوله: إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم أنه طلب لنعمة الإيمان، وإذا ثبت هذا الأصل فنقول: يتفرع عليه أحكم: - الحكم الأول: أنه لما ثبت أن المراد من هذه النعمة نعمة الإيمان، ولفظ الآية صريح في أن الله تعالى هو المنعم بهذه النعمة؛ ثبت أن خالق الإيمان والمعطي للإيمان هو الله تعالى، وذلك يدل على فساد قول المعتزلة، ولأن الإيمان أعظم النعم، فلو كان فاعله هو العبد لكان إنعام العبد أشرف وأعلى من إنعام الله، ولو كان كذلك لما حسن من الله أن يذكر إنعامه في معرض التعظيم.
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»