تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٥٣
الفصل السادس في قوله وإياك نستعين معنى قوله: * (وإياك نستعين) *:
اعلم أنه ثبت بالدلائل العقلية أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله، ويدل عليه وجوه من العقل والنقل، أما العقل فمن وجوه: الأول: أن القادر متمكن من الفعل والترك على السوية، فما لم يحصل المرجح لم يحصل الرجحان، وذلك المرجح ليس من العبد، وإلا لعاد في الطلب، فهو منا لله تعالى، فثبت أن العبد لا يمكنه الاقدام على الفعل إلا بإعانة الله. الثاني: ان جميع الخلائق يطلبون الدين الحق والاعتقاد الصدق مع استوائهم في القدرة والعقل والجد والطلب، ففوز البعض بدرك الحق لا يكون إلا بإعانة معين، وما ذاك المعين إلا الله تعالى، لان ذلك المعين لو كان بشرا أو ملكا لعاد الطلب فيه. الثالث أن الانسان قد يطالب بشئ مدة مديدة ولا يأتي به، ثم في أثناء حال أو وقت يأتي به ويقدم عليه، ولا يتفق له تلك الحالة إلا إذا وقعت داعية جازمة في قلبه تدعوه إلى ذلك الفعل، فالقاء تلك الداعية في القلب وإزالة الدواعي المعارضة لها ليست إلا من الله تعالى، ولا معنى للإعانة إلا ذلك.
وأما النقل فيدل عليه آيات: أولاها: قوله وإياك نستعين، وثانيتها: قوله استعينوا بالله) وقد اضطربت الجبرية والقدرية في هذه الآية: أما الجبرية فقالوا: لو كان العبد مستقلا بالفعل لما كان للاستعانة على الفعل فائدة، وأما القدرية فقالوا الاستعانة إنما تحسن لو كان العبد متمكنا من أصل الفعل، فتبطل الإعانة من الغير، أما إذا لم يقدر على الفعل لم تكن للاستعانة فائدة.
وعندي ان القدرة لا تؤثر في الفعل إلا مع الداعية الجازمة، فالإعانة المطلوبة عبارة عن خلق الداعية الجازمة، وإزالة الداعية الصارفة ولنذكر ما في هذه الكلمة من اللطائف والفوائد: _ الفائدة الأولى: لقائل أن يقول: الاستعانة على العمل إنما تحسن قبل الشروع في العمل وههنا ذكر قوله إياك نعبد ثم ذكر عقبيه وإياك نستعين، فما الحكمة فيه؟ الجواب من وجوه
(٢٥٣)
مفاتيح البحث: الصدق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»