تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٧٨
القول الثالث: قال بعض العلماء: هذه السورة نزلت بمكة مرة، وبالمدينة مرة أخرى، فهي مكية مدنية، ولهذا السبب سماها الله بالمثاني؛ لأنه ثنى إنزالها، وإنما كان كذلك مبالغة في تشريفها.
المسألة الثانية: في بيان فضلها، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فاتحة الكتاب شفاء من السم، وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبي من صبيانهم في المكتب * (الحمد لله رب العالمين) * فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بسببه العذاب أربعين سنة، وعن الحسين قال: أنزل الله تعالى مائة وأربعة كتب من السماء فأودع علوم المائة في الأربعة، وهي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثم أودع علوم هذه الأربعة في الفرقان، ثم أودع علوم الفرقان في المفصل، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة فمن علم تفسير الفاتحة كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة، ومن قرأها فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
قلت: والسبب فيه أن المقصود من جميع الكتب الإلهية علم الأصول والفروع والمكاشفات وقد بينا أن هذه السورة مشتملة على تمام الكلام في هذه العلوم الثلاثة، فلما كانت هذه المطالب العالية الشريفة حاصلة فيها لا جرم كانت كالمشتملة على جميع المطالب الإلهية.
المسألة الثالثة: قالوا: هذه السورة لم يحصل فيها سبعة من الحروف، وهي الثاء، والجيم والخاء، والزاي، والشين، والظاء، والفاء، والسبب فيه أن هذه الحروف السبعة مشعرة بالعذاب فالثاء تدل على الويل والثبور، قال تعالى: * (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وأدعوا ثبورا كثيرا) * والجيم أول حروف اسم جهنم، قال تعالى: * (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) * (الحجر: 43) وقال تعالى: * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) * (الأعراف: 179) وأسقط الخاء لأنه يشعر بالخزي قال تعالى: * (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * (التحريم: 8) وقال تعالى: * (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) * (النحل: 27) وأسقط الزاي والشين لأنهما أول حروف الزفير والشهيق، قال تعالى: * (لهم فيها زفير وشهيق) * وأيضا الزاي تدل على الزقوم، قال تعالى: * (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) * (الدخان: 43) والشين تدل على الشقاوة، قال تعالى: * (فأما الذين شقوا ففي النار) * (هود: 106) وأسقط الظاء لقوله: * (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغنى من اللهب) * (المراسلات: 30) وأيضا يدل على لظى، قال تعالى: * (كلا إنها لظى نزاعة للشوى) * (المعارج: 15) وأسقط الفاء؛ لأنه يدل على الفراق، قال تعالى: * (يومئذ يتفرقون) * (الروم: 14) وأيضا قال: * (لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى) * (طه: 61).
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»