أنعمت عليهم) *، وثالثها: أن تبقى مصونة معصومة عن أوضار الشهوات، وهو قوله: * (غير المغضوب عليهم) * وعن أوزار الشبهات، وهو قوله: * (ولا الضالين) * فثبت أن هذه السورة مشتملة على هذه الأسرار العالية التي هي أشرف المطالب، فلهذا السبب سميت بأم الكتاب كما أن الدماغ يسمى أم الرأس لاشتماله على جميع الحواس والمنافع.
السبب الخامس: قال الثعلبي: سمعت أبا القاسم بن حبيب، قال: سمعت أبا بكر القفال قال: سمعت أبا بكر بن دريد يقول: الأم في كلام العرب الراية التي ينصبها العسكر، قال قيس بن الحطيم: - نصبنا أمنا حتى ابذعروا * وصاروا بعد ألفتهم سلالا فسميت هذه السورة بأم القرآن لأن مفزع أهل الإيمان إلى هذه السورة كما أن مفزع العسكر إلى الراية، والعرب تسمى الأرض أما؛ لأن معاد الخلق إليها في حياتهم ومماتهم، ولأنه يقال: أم فلان فلانا إذا قصده.
الاسم الرابع: من أسماء هذه السورة " السبع الثاني " قال الله تعالى: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * (الحجر: 87) وفي سبب تسميتها بالمثاني وجوه: - الأول: أنها مثنى: نصفها ثناء العبد للرب، ونصفها عطاء الرب للعبد.
الثاني: سميت مثاني لأنها تثنى في كل ركعة من الصلاة.
الثالث: سميت مثاني لأنها مستثناة من سائر الكتب، قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة، ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثل هذه السورة وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم.
الرابع: سميت مثاني لأنها سبع آيات، كل آية تعدل قراءتها قراءة سبع من القرآن، فمن قرأ الفاتحة أعطاه الله ثواب من قرأ كل القرآن.
الخامس: آياتها سبع، وأبواب النيران سبعة، فمن فتح لسانه بقراءتها غلقت عنه الأبواب السبعة، والدليل عليه ما روي أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، كنت أخشى العذاب على أمتك. فلما نزلت الفاتحة أمنت، قال: لم يا جبريل؟ قال: لأن الله تعالى قال: وإن جهنم لموعدهم أجمعين، لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم) (الحجر: 43، 44) وآياتها سبع فمن قرأها صارت كل آية طبقا على باب من أبواب جهنم، فتمر أمتك عليها منها سالمين.
السادس: سميت مثاني لأنها تقرأ في الصلاة ثم إنها تثنى بسورة أخرى.