تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٧٩
فإن قالوا: لا حرف من الحروف إلا وهو مذكور في شيء يوجب نوعا من العذاب فلا يبقى لما ذكرتم فائدة، فنقول: الفائدة فيه أنه تعالى قال في صفة جهنم * (لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) * (الحجر: 44) والله تعالى أسقط سبعة من الحروف من هذه السورة، وهي أوائل ألفاظ دالة على العذاب، تنبيها على أن من قرأ هذه السورة وآمن بها وعرف حقائقها صار آمنا من الدركات السبع في جهنم، والله أعلم. الباب الثالث في الأسرار العقلية المستنبطة من هذه السورة، وفيه مسائل: أسرار الفاتحة:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما قال: * (الحمد لله) * فكأن سائلا يقول: الحمد لله منبي عن أمرين: أحدهما: وجود الإله، والثاني: كونه مستحقا للحمد، فما الدليل على وجود الإله وما الدليل على أنه مستحق الحمد؟ ولما توجه هذان السؤالان لا جرم ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الجواب عن هذين السؤالين، فأجاب عن السؤال الأول بقوله: * (رب العالمين) * وأجاب عن السؤال الثاني بقوله: * (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) * أما تقرير الجواب الأول ففيه مسائل: - المسألة الأولى: إن علمنا بوجود الشيء إما أن يكون ضروريا أو نظريا، لا جائز أن يقال العلم بوجود الإله ضروري، لأنا نعلم بالضرورة أنا لا نعرف وجود الإله بالضرورة فبقي أن يكون العلم نظريا، والعلم النظري لا يمكن تحصيله إلا بالدليل، ولا دليل على وجود الإله إلا أن هذا العالم المحسوس بما فيه من السماوات والأرضين والجبال والبحار والمعادن والنبات والحيوان محتاج إلى مدبر يدبره وموجود يوجده ومرب يربيه ومبق يبقيه، فكان قوله: * (رب العالمين) * إشارة إلى الدليل الدال على وجود الإله القادر الحكيم. ثم فيه لطائف: اللطيفة الأولى: أن العالمين إشارة إلى كل ما سوى الله فقوله: * (رب العالمين) * إشارة إلى أن كل ما سواه فهو مفتقر إليه محتاج في وجوده إلى إيجاده، وفي بقائه إلى إبقائه، فكان هذا إشارة إلى أن كل جزء لا يتجزأ وكل جوهر فرد وكل واحد من آحاد الأعراض فهو برهان باهر ودليل قاطع على وجود الإله الحكيم القادر القديم، كما قال تعالى: * (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) * (الإسراء: 44).
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»