تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٨٩
حجة الأصم قوله عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي، جعل الصلاة من الأشياء المرئية، والقراءة ليست بمرئية، فوجب كونها خارجة عن الصلاة، والجواب أن الرؤية إذا كانت متعدية إلى مفعولين كانت بمعنى العلم.
المسألة الثانية: قال الشافعي رحمه الله: قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة، فإن ترك منها حرفا واحدا وهو يحسنها لم تصح صلاته، وبه قال الأكثرون، وقال أبو حنيفة لا تجب قراءة الفاتحة.
لنا وجوه: الأول: أنه عليه الصلاة والسلام واظب طول عمره على قراءة لفاتحة في الصلاة فوجب أن يجب علينا ذلك، لقوله تعالى: * (واتبعوه) * ولقوله: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * (النور: 63) ولقوله تعالى: * (فاتبعوني يحببكم الله) * (آل عمران: 31) ويا للعجب من أبي حنيفة أنه تمسك في وجوب مسح الناصية بخبر واحد، وذلك ما رواه المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه، في أنه عليه الصلاة والسلام مسح على الناصية، فجعل ذلك القدر من المسح شرطا لصحة الصلاة، وههنا نقل أهل العلم نقلا متواترا أنه عليه الصلاة والسلام واظب طول عمره على قراءة الفاتحة ثم قال: إن صحة الصلاة غير موقوفة عليها، وهذا من العجائب.
الحجة الثانية: قوله تعالى: * (أقيموا الصلاة) * والصلاة لفظة مفردة محلاة بالألف واللام فيكون المراد منها المعهود السابق، وليس عند المسلمين معهود سابق من لفظ الصلاة إلا الأعمال التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي بها: وإذا كان كذلك كان قوله: " أقيموا الصلاة " جاريا مجرى قوله: " أقيموا الصلاة التي كان يأتي بها الرسول، والتي أتى بها الرسول عليه الصلاة والسلام هي الصلاة المشتملة على الفاتحة، فيكون قوله: * (أقيموا الصلاة) * أمرا بقراءة الفاتحة وظاهر الأمر الوجوب، ثم إن هذه اللفظة تكررت في القرآن أكثر من مائة مرة فكان ذلك دليلا قاطعا على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة.
الحجة الثالثة: أن الخلفاء الراشدين واظبوا على قراءتها طول عمرهم، ويدل عليه أيضا ما روى في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وإذا ثبت هذا وجب أن يجب علينا ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي "، ولقوله عليه الصلاة والسلام: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر "، والعجب من أبي حنيفة رضي الله عنه أنه تمسك في مسألة
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»